حتى الآن، ولليوم الثالث على التوالي، لم يتوقف هاتفي من الرنين، ورسائل الواتساب التي تحمل مختلف ألوان التهديدات السافرة. أحتفظ بها وبالأرقام التي استُخدمت في إرسالها، وغالبها يحمل عبارات التص فية، وأحياناً مزوّدة برسومات إيضاحية للطريقة التي تُنفَّذ بها. الحملة الشعواء بدأت بتزوير صورة محادثة تُزعم أنها ترتيبات مع قناة «سكاي نيوز» لمقابلة تتركز حول معارضة الإسلاميين لمساعي السلام. وبالطبع، من السهولة اكتشاف «فبركة» الرسالة بعدة ملاحظات واضحة لا تحتاج إلى مجهود. بمجرد نشر الصورة المزوّرة في إحدى مجموعات الواتساب، انهمرت الاتصالات والرسائل التي كانت معدّة سلفاً، لكونها تزامنت بلا فاصل زمني من لحظة بث الصورة. بعض الذين نفّذوا توجيهات رسائل الشتائم والتهديدات لم يكلّفوا أنفسهم عناء حذف التوجيهات الصادرة إليهم بذلك، فأعادوا توجيه الرسائل مرفقة معها التعليمات التي تحوي نماذج السباب والتهديدات. شخصياً تعرضت كثيراً لمثل هذا السلوك، وبعضها وصل مرحلة التنفيذ عندما هاجمت قوة مسلحة مكاتب صحيفة «التيار» واقتحمت مكتبي واعتدت عليّ جسدياً وأصابت عيني بما تطلّب سفري للعلاج في مصر، ثم الهند، ثم روسيا، ولا زلت أتلقى معالجة مستمرة لتلك الإصابة. وشاء الله أن يطوي صفحة من أمرٍ ودبَّر ونفّذ ذلك شخصاً ونظاماً. ولا يخالجني أدنى شك أن الله يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض، وأن من يهدّد لا يملك ضراً ولا نفعاً لنفسه فضلاً عن غيره، وسيطوي ليل ظلمه فجر قريب بإذن الله لا بإذن أحد. لكن بالله عليكم.. كيف نبني وطناً بمثل هذا التفكير والسلوك؟ إن كان البعض لا يزال يعتبر اختلاف الرأي ضرباً من الخيانة، فإن كل دروس الماضي تصبح مجرد رماد ذاكرة محترقة غير قادرة على الاعتبار وفتح البصيرة. إلى متى يحبس البعض الوطن في فكره ورأيه وقبضة يده؟