منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    وزارة الصحة تلتقي الشركة المصرية السودانية لترتيب مشروعات صحية مشتركة    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحزاب السياسية لا ترى في الشعب السوداني إلا مغفلاً نافعاً
نشر في الراكوبة يوم 17 - 12 - 2022

يخطئ من يظن ان الصراع الدائر في السودان هو صراع من اجل الوطن ، ومن اجل تقدمه ، بل هو صراع بين مجموعات سياسية متنافسة حول السلطة وما تمنحه السلطة من الاستئثار بالثروة والنفوذ.
هذه المجموعات السياسية لن تتوجه للمواطن وتقول له نحن نتصارع من اجل وصولنا للسلطة او من اجل الثروة ، ولكنها تخاطب المواطن وكأنها الحريصة على مصلحته وانها حامي حماه وتعمل من اجل رفاهيته . وفي نهاية الامر فالمواطن ليس الا اداة تسوقه نحو خدمة اهدافها ، وتجري هذه (السواقة) باستخدام مصطلحات وشعارات معينة نستعرض بعضاً منها في هذا المقال:
1- سلطة الانقلاب :
جردت قرارات 25 اكتوبر 2021 قحت المجلس المركزي من سلطتها ، ولا نتحدث هنا عن صحة هذه القرارات او عدم صحتها ، وانما ننظر اليها كأمر واقع حدث ، وليس من المستغرب ان تقاوم هذه المجموعة التجريد من السلطة وان تصرخ جراء هذا الفطام المفاجئ ، فكان أن وصفت ما حدث بأنه انقلاب عسكري ، واخذت تسوق هذه الفكرة وتروج لها محلياً ، ثم اخذت تستثمرها لتقديمها للدوائر الغربية والتي لديها حساسية عالية تجاه جملة (انقلاب عسكري).
علينا الا نكون ساذجين بحيث نؤمن بان الدوائر الغربية حريصة على الحكم المدني ، وأن حساسيتها تجاه جملة (انقلاب عسكري) صادقة ، وانها لديها قناعة راسخة بضرورة ان يتمتع كل سكان العالم بالديمقراطية ، كلا فالديمقراطية عندها سلاح لتحقيق اهدافها في النفوذ والهيمنة وسرقة الثروات ، وهي مستعدة للتعاون دونما أي خجل مع أي حاكم عسكري جاء بانقلاب في وضح النهار أو في الثلث الأخير من الليل، ومستعدة لغض النظر عن كافة افعاله بشرط ألا يتصادم معها وأن يتعاون معها في تحقيق ما تهدف اليه هذه القوى من هيمنة ونهب للثروات.
وبالمقابل هي ضد أي حكم ديمقراطي مدني طالما ان هذا الحاكم الديمقراطي المنتخب لا يستجيب لمطالبها ولا يلبى تطلعاتها في السلب والنهب. فالموضوع هو ليس الديمقراطية والعسكرية ، الموضوع هو مدى تجاوب هذا الحاكم او ذاك معها في سياساتها . ولا يهمها بالتالي شكل ملابسه ، هل هي بدلة وكرافتة ام كاكي . ويتم تقييمه والتعاون معه على ضوء تحقيقه للمصالح او امتناعه عن ذلك. أي أنه وباختصار تعلو المصلحة عندها على المبدأ.
نعود لكلمة انقلاب ونحاول فهمها ومدى انطباقها على قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر ، ونحن لا نتحدث هنا كما اسلفنا عن صحتها او عدم ذلك ، بل ننظر للواقعة ونرى مدى مطابقتها لمفهوم الكلمة.
جاء في قاموس ويبستر عن كلمة انقلاب (coup d`etat):
A sudden decisive exercise of force in politics
(استخدام القوة في السياسة بشكل مفاجئ وحاسم) ، والتعريف الثاني يقول:
The violent overthrow or alteration of an existing government by a small group
الإطاحة او التغيير العنيف لحكومة قائمة بواسطة مجموعة صغيرة.
وورد في قاموس كامبريدج:
Sudden defeat of a government through illegal force by a small group, often a military one
السقوط المفاجئ للحكومة ، باستخدام القوة بطريقة غير شرعية بواسطة مجموعة صغيرة ، غالباً ما تكون عسكرية.
والتعريفات اشارت لاستخدام القوة والعنف ، وهو ما لم يحدث في قرارات 25 اكتوبر 2021م ، كما انه لم يحدث أي تغيير جذري في الحكومة ، كل ما في الامر ان قحت انقسمت لقسمين وخرجت مجموعة قحت المجلس المركزي ، بينما ظلت مجموعة قحت التوافق في مواقعها ، وظلت اجهزة الدولة تعمل كما كانت قبل خروج هذه المجموعة.
اما مقعد الحاكم فلم يحدث تغيير في شخص من يجلس عليه ، فالفريق البرهان قبل قرارات 25 اكتوبر هو نفسه الذي استمر حاكماً بعدها ،. إلا إذا تخيلنا ان الفريق عبد الفتاح البرهان (أ) قام بانقلاب على الفريق عبد الفتاح البرهان (ب) ، وحتى رئيس الوزراء الذي ابعد بموجب هذه القرارات عاد وعمل مرة اخرى لفترة زمنية قصيرة ثم تقدم باستقالته.
والعادة في الانقلابات العسكرية أن يجري حل جميع التكوينات السياسية والنقابية وايقاف الصحف عن الصدور ، وحظر التجوال ، واغلاق المجال الجوي ، وتكوين مجلس عسكري حاكم ، بينما يتواصل بث المارشات العسكرية من الاذاعة والتلفزيون ليل نهار . ولم يحدث أي شيء من هذا في الخامس والعشرين من اكتوبر.
اذن وصف ما حدث من تغيير جزئي لبعض الوجوه في السلطة لا يرقى ليكون انقلاباً.
وبما ان التنظيمات اليسارية في الغالب الاعم لا تستطيع ان تعيش وتستنشق الهواء إلا في مناخ ما تسميه الحراك الثوري وتصعيد النضال ، والكفاح ضد الديكتاتورية واسقاط الحكم العسكري ، وما إلى ذلك من شعارات قديمة ، كان لزاماً على مجموعة قحت المجلس المركزي اختلاق شعار تواصل العيش والتنفس في اجوائه وليس هناك شعار أكثر بريقا من شعار (اسقاط سلطة الانقلاب). وهي السلطة نفسها التي عادوا للتفاوض معها والجلوس مع قادتها (الانقلابيين) لتوقيع الاتفاق الإطاري، ولحسوا (اسقاط سلطة الانقلاب) ورموا به في سلة المهملات ومعه دم عشرات القتلى الذين سقطوا في مظاهرات رفض (الانقلاب).
الديمقراطية:
المفهوم الظاهر لكلمة ديمقراطية يشير الى الديمقراطية الليبرالية التي تمارسها الانظمة الغربية بصيغ مختلفة ، وتتفق على وجود رئيس منتخب ، او رئيس وزراء منتخب إذا كان النظام ملكياً ، وبرلمان منتخب بمجلس واحد او بمجلسين ، وناخبين ودوائر انتخابية وصناديق اقتراع ، وتشكيل الحكومة من قبل الحزب الفائز بالأغلبية منفرداً ، او تشكيل حكومة ائتلافية في حالة فشل حزب ما في التمتع بالأغلبية ؛ فيلجأ الى التكتل مع اطراف أخرى وفق صيغ يرتضونها لقسمة الكراسي.
الشيوعيون في السودان رضخوا للصيغة الليبرالية رغم انها تخالف اسس النظرية الماركسية ؛ والتي ترى في الحكومة أداة قمع في يد الطبقة المستغِلة (بكسر الغين) تستخدمها ضد الطبقة الفقيرة (المستغَلة) بفتح الغين ، وان ديكتاتورية البروليتاريا هي الصيغة المثلى للحكم. وهذا الرضوخ يعني واحداً من اثنين:
الأول : أن احداث هذا التغيير الجذري في اهم مرتكزات الفكر الماركسي يوجب على كل من يرى اهمية هذا التغيير الكف عن القول بانه شيوعي ، فهنا نحن امام شكل جديد يخالف الشكل القديم المعهود، ويخالف الأسس النظرية التي قامت عليها الفكرة وينقض اهم ركائزها ، فلا يمكنك ان تأخذ (كاربيتور) ماكينة تعمل بالبنزين وتضعه في خدمة ماكينة تعمل بالجازولين وتتخيل أنه سوف يعمل، هذا لن يحدث ، لأن طريقة التشغيل في كل سيارة منهما تختلف تماما عن الاخرى.
الثاني : انه مجرد موقف تكتيكي ، يخرج الحزب عن حالة العزلة التي سوف يعيشها لو تمسك بجوهر فكرته ، ولا حل هنا إلا التماشي مع المثل البدوي القائل : (مع الخيل يا شقراء) ، وهو موقف لا يصدر عن قناعة فعلية ، ولكن من فوائده التي يمكن جنى ثمارها هي مجاراة للقوى الغربية والتمسح بأعطافها من باب كسب مودتها ، فطالما هي تتحدث عن ديمقراطية ليبرالية فلنضع القبعة كما يضعونها ، رغم أن كسب مودتها لن يحدث إلا اذا شرقت الشمس من المغرب ، فالأصل الأصيل في الماركسية هو اجتثاث الرأسمالية ومؤسساتها ومن ضمنها الحكومة القائمة على الديمقراطية الليبرالية ، وهو أمر تحس تجاهه الدوائر الغربية بالفزع الشديد ، وتجعل الحرب بينها وبين الماركسية حرب صراع على الوجود ومسألة موت أو حياة.
ومن فوائد هذا الموقف التكتيكي الأخرى هو مجاراته لمواقف القوى المحلية التي تنادي بالديمقراطية ، حيث انه وفي ظل الديمقراطية الليبرالية يمكن للحزب ان يخرج بمقعدين او ثلاثة في البرلمان تكون له متنفساً ، اما لو ظل في انتظار ديكتاتورية البروليتاريا فقد يكون مضطراً للانتظار لقرون عددا ، وقد لا تأتي هذه الدكتاتورية المنتظرة ابد الدهر . وبالتالي فان عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة.
حزب البعث مثال آخر على ان رفع راية الديمقراطية انما هو مجرد شعار للحصول على موطئ قدم في (الزحمة) السياسية ، لأن تجربتي حزب البعث في الحكم في العراق وسوريا لم تشهدا أي ممارسة ديمقراطية متعددة الاحزاب بصورة حرة ، وبالتالي لا احد يتوقع ان تثمر شجرة السنط تفاحاً في السودان.
الاحزاب الاخرى الكبرى تستفيد كثيراً من الخيار الديمقراطي الليبرالي ؛ لكنها ترفسه في أي لحظة ان لم يحقق طموحاتها في السلطة والنفوذ ، فقد ايد السيدان على الميرغني وعبد الرحمن انقلاب الفريق عبود لمعاقبة اسماعيل الازهري الذي بدأ نجمه يصعد خصماً على رصيدهما السياسي كما قامت الجبهة الإسلامية القومية بتنفيذ انقلاب يونيو عام 1989م.
ونخلص الى القول ان كلمة (الديمقراطية) في السودان لها عشرات المعاني المتخيلة في ذهن كل حزب ، وكل يفسرها حسب هواه ، كما انها ليست خياراً راسخاً في النفوس ، ويتم وأدها من قبل رافعي شعارها بالاستعانة بقوة الجيش متى ما كانت الفرصة مواتية لذلك.
العودة للمسار الديمقراطي :
نجد في المشهد الماثل امامنا عبارة تردد كثيراً وهي (العودة للمسار الديمقراطي) ، وهي عبارة خادعة ، فمنذ الحادي عشر من ابريل عام 2019م ، وفي ظل حكومة حمدوك الاولى لم نشهد فتح أي شارع يؤدي الى (المسار الديمقراطي) حيث ان المسار الديمقراطي يتطلب انجاز مراحل عملية منها على سبيل المثال وليس الحصر :
1- اصدار التشريعات والقوانين اللازمة للبدء في السير على طريق الديمقراطية.
2- تكوين مفوضية الانتخابات.
3- تسجيل الناخبين.
4- اكمال تسجيل الاحزاب الراغبة في خوض العملية الانتخابية.
5- تقسيم الدوائر الانتخابية.
ولم نشهد خلال تلك الفترة من حكومة حمدوك أي خطوة عملية نقول بموجبها ان حركة (المسار الديمقراطي) قد بدأت، لذا نسأل من يقول ويطالب بالعودة الى المسار الديمقراطي: أين هو هذا المسار الديمقراطي اساساً الذي فارقنا دربه حتى نعود اليه؟ .
وللعلم فعقب انتفاضة ابريل عام 1985م وقيام حكومة انتقالية قادها الفريق سوار الذهب ، انجزت هذه الحكومة الانتقالية مرحلة المسار الديمقراطي في سنة واحدة وجرت في عام 1986م الانتخابات التي جاءت بحكومة الصادق المهدي.
المليونية :
قد نقبل مجازاً اطلاق كلمة (مليونية) على حشد شهد خروج خمسمائة الف شخص في مظاهرة ، مع انهم في الحقيقة نصف مليون ، هذا اذا افترضنا امكانية عدهم ، لكن ان يخرج بضع آلاف في مظاهرة ثم نقول (مليونية)!. ففي فهذا كذب بواح وضحك على اللحى ، ومهما اجتهدنا في لي عنق قواعد اللغة العربية وعلوم البلاغة ؛ لجعل هذا الرقم نوعاً من المجاز اللغوي فإننا لن نستطيع.
الموضوع هنا ليس اكثر من (تكبير كوم) واللعب على العامل النفسي للإيحاء بقوة وكبر حجم المتظاهرين ، كما أن لفظ مليونية لفظ مرعب خصوصاً عند ترديده على السنة مذيعي القنوات الفضائية وعلى الأخص الخارجية منها، ولا بأس من شطب كلمة مظاهرة وهي كلمة وديعة وليس فيها معاني الردع والجبروت ، وعلى هذه الكلمة اللطيفة (مظاهرة) القبول باسمها الجديد (مليونية) ، ومن ثم حتى لو خرج مائة شخص في موكب فهو (مليونية) شاء من شاء وابى من أبى.
هذه اللعبة المليونية لن تستمر الى الأبد ولن تغير قواعد النحو وعلم البلاغة ، ومصيرها أن تنقشع ، ولكن سيبقى اللفظ دليلاً على الاحتيال والخداع الذي تقوم به بعض الجهات وتروج له في سبيل تحقيق غاياتها.
الشارع والشعب السوداني :
الكل يتحدث باسم الشارع ، وهناك احزاب ليس لها من رأس المال البشري إلا مئات ورغم ذلك تتحدث عن الشارع وعن الشعب السوداني ، وبشعارات من نوع (قال الشعب السوداني كلمته) و(الشوارع لا تخون) ، وكل هذه العبارات سرقة واضحة لإرادة الشعب ، فالشعب السوداني يقول كلمته عبر صناديق الاقتراع ، وعبر مناديبه في البرلمان، عدا ذلك لا حق لاحد ليأتي ويتحدث نيابة عن الشعب السوداني.
الشهيد:
الكلمة من المصطلحات الدينية ويكثر استعمالها في الدين الاسلامي وفي الدين المسيحي ايضاً ، لذا لا نستغرب وجودها ضمن ادبيات التيارات الدينية، لكن وجودها واستخدامها من قبل تيارات يسارية تنادي بفصل الدين عن الدولة امر يثير التعجب. هل عجزت قرائحهم عن انتاج لفظ يصف قتلاهم بعيدا كل البعد عن هذا اللفظ الديني؟ .
الشرعية الثورية:
الشرع لفظ تختص به الديانة الاسلامية، والامر المشروع هو الامر الجائز ، والشارع في الفقه الاسلامي هو من يشرع حسب مقتضيات الدين.
أما (الشرعية الثورية) فتعني ببساطة انجاز أي مهمة بالرجوع الى وجهة النظر الثورية ، بمعنى آخر عدم الرجوع للقوانين الموجودة لحظة قيام الفعل الثوري ، ومن امثلة ذلك الوثيقة الدستورية ، فقد كان مرجعها (الشرعية الثورية) أي قوة القانون التي اكتسبها الثوار بحكم الامر الواقع بعد سقوط حكومة البشير . والمفارقة هنا أن (الشرعية الثورية Revolutionary Legitimacy) هي نفسها التي يكتسبها أي قائد انقلاب عسكري ، حتى لا يحدث فراغ بين حكم اطيح به وحكم جديد يريد تثبيت اقدامه.
ولكن نسأل ما الرابط بين (الثورة) و(الشرع)؟ الشَّرعُ فِي اصطِلاَحِ عُلَمَاءِ الإسلاَمِ : هُوَ مَا سَنَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِن أَحكَامٍ عَقَائِدِيَّةٍ أَو عَمَلِيَّةٍ أَو خُلُقِيَّةٍ. وَمِنهُ قوله تعالى : " شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ" .
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ لَفظَ «شَرعٍ» مُرَادِفٌ لِلَفظَيِ الدِّينِ وَالفِقهِ بِالاِعتِبَارِ السَّابِقِ ، وَإِن كَانَ لَفظُ «شَرعٍ وَدِينٍ» يُعتَبَرَانِ لَفظَينِ عَامَّينِ بِالنِّسبَةِ لِلمَعنَى الَّذِي استَقَرَّ عَلَيهِ رَأيُ المُتَأَخِّرِينَ مِنَ الأصُولِيِّينَ وَالفُقَهَاءِ ([1]).
إذن لفظ (شرعي) جاء نسبة للشرع، أي التقيد بالأحكام المذكورة ، والسير وفق منهج محدد وعدم تجاوز احكامه ونواهيه.
على النقيض من ذلك نجد كلمة (ثورة) ؛ والتي تعني التمرد على ما هو قائم واستبداله بنهج جديد ، والثورة تحمل في طياتها نوعاً من الفوضى فهي خروج على وضع راهن ، قد تأتي بالأحسن منه أو قد تأتي بالأسوأ منه ، وقد تقتضي عملية الخروج نوعاً من العنف او الهدم والتدمير ، ففي الشرع انقياد وفي الثورة عصيان.
لذا عندما نتحدث عن الشرعية الثورية فهنا نتحدث عن نقيضين ، وهو استخدام يدل على فشل القوى اليسارية في نحت مصطلحاتها وعقم قريحتها والاكتفاء في ذلك بمصطلحات الطرف الآخر مما يوقع في التناقض.
هذا المقال القصد منه تنبيه الجماعات والاحزاب السياسية لضرورة ضبط مصطلحاتها والكف عن محاولات الكسب السياسي الرخيص ، وما تقوم به من تضليل الشعب بعبارات جوفاء فارغة المعنى لن يفيدها في شيء ، لأن السير في الطريق الديمقراطي – إن كانت هذه الاحزاب تريده حقاً – يقتضي نوعاً من الصدق مع النفس ومع الجماهير ، اما هذه (الخم) و(السواقة) والنظر للشعب بمنظار المغفل النافع ، فنتيجته لن تكون إلا فقدان الثقة بين هذه الاحزاب والجمهور ، وفي نهاية المطاف ستجد الاحزاب المتورطة في سياسة التغفيل ؛ ان وعي الشعب قد تجاوز اطروحاتها وانها اصبحت في (السهلة) عريانة تندب حظها ، ولن يمنحها ولو مقعداً واحداً في البرلمان تعارض من خلاله.
[1] – شبكة الوثقى للثقافة الشرعية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.