مليونية الثاني عشر من يناير 2023م جاءت كمثيلاتها السابقات رفضا لتسوية شراكة الدم الجديدة ، ولكنها تميزت بانها امتحنت ارتباط طلائع الحراك بالشارع العريض ، ومدى عمق الحراك وتاثيره ، واستعداده للاتساع والتحول لكتلة حرجة ، قادرة على إسقاط النظام . ففي امدرمان، لم تقف الجماهير للتفرج على طلائع الحراك وشبابه ، بل بادلتهم اولا الرضا عن فعلهم وتشجيعهم على الاحتجاج ، ومن ثم التحمت بهم عند المحلية وقادت الهتاف حينما اصبح "كيزان حرامية". البدايات من قلب السوق غير أنها اربكت عصابات الجريمة المنظمة للجنة الإنقاذ الامنية ، سمحت بالالتحام المباشر بالشارع المساند والمتردد والمستعد للانخراط في الحراك كذلك اكدت ان الحراك يمثل بالفعل موقف شعبي عام ، ممسك بقضاياه ومؤكد لشعاراته . فالهتاف بدأ متمسكا بمجانية التعليم والعلاج ، وتنوع ليصل الى تحديد العدو ووصفه باللصوصية وهي السمة الاساسية لطفيلية النهب والجباية ، في تشيؤ واضح لوعي لا سبيل لانتزاعه من جماهير امتلكته في اطار نضال وتضحيات وشهادة . وهذا نذير سوء لاطراف تسوية الدم ، الذين يتهيأون لاطلاق المرحلة النهائية لتسويتهم ، ويحاولون التعمية عليها وبث سمومها في اطار تحليلات قاصرة ، تحاول تصوير ان التسوية تخيف قوى اقليمية داعمة لزعيم العصابة الحاكمة، وأن (قحت) بتسويتها قد اضعفته لان التسوية ستعيده للثكنات او على الاقل ستضعف قبضته على السلطة . وليس صحيحا ما يراد تسويقه من ان الإتفاق الإطاري ورط البرهان ، لأنه في الواقع هو طوق النجاة الذي قدمته له (قحت) مع المجتمع الدولي ، وهو لن يخرجه من العملية السياسية ولن يضعف قبضته على سياسات الدولة ، بل سيوفر له واجهة مدنية لا غير. فالمجتمع الدولي يعلنها صراحة بانه لا يمكن استبعاد المكون العسكري ويدعم الإتفاق والشراكة معه ، فكيف يؤيد اتفاقا يعيد العسكر للثكنات او يضعف قبضتهم على السلطة !! و إن كان هذا بالفعل هو موقفه ، لماذا أيد إتفاق حمدوك والبرهان الذي شرعن الإنقلاب وبصم على جميع قراراته واعتبرها اساسا للاتفاق؟ الإتفاق الإطاري هو شراكة يقرر بموجبها التسوويون (قحت) والعصابة الحاكمة راهن السودان ومستقبله السياسي ، سلطتها الفعلية في يد مجلس الامن والدفاع المسيطر عليه من قبل العسكريين الانقلابيين وحلفاءهم من حركات اتفاق جوبا ، وفي هذا الإطار يفهم التقارب بين هذه الحركات والحكومة المصرية . لذلك من الطبيعي ان يرحب الأمين العام للامم المتحدة بانطلاق المرحلة النهائية لتحويل تسوية شراكة الدم الجديدة من إتفاق إطاري إلى دولة تعوم التمكين ، وتسمح لدولته بالانفراد بادوات القمع بعد شرعنة جهاز امنها وجنجويدها واعفاء عسكرييها من المحاسبة على انقلاباتهم. كذلك رحبت الدول الاقليمية المستفيدة من التسوية والحليفة لقواها بهذه الانطلاقة وأكدت دعمها لها ، واستقبلت احداها زعيم الجنجويد وقبله بعض اقطاب الفساد ، بحثا عن نصيب لها من مردود هذه التسوية . وبلغت التدخلات الاجنبية الداعمة للتسوية والممهدة لها والراغبة في انجاحها ، حد تدخل سفارة الولاياتالمتحدةالامريكية في إضراب المعلمين الحالي ، ودعوتها للجنة المعلمين لاجتماع لمناقشة أمر الاضراب. وهذا يعكس مدى معرفة الدول الاستعمارية لخطورة العمل النقابي المنظم الشريك للشارع الثائر في اتمام العصيان المدني والإضراب السياسي لاسقاط النظام . وهو أيضا يؤكد عجز العصابة الحاكمة في هزيمة المعلمين وكسر عزيمتهم ، بالرغم من محاولاتها المستميتة لخلق انقسام وسطهم ، كما يعكس مدى هوان هذه السلطة وتفريطها في السيادة الوطنية وسماحها للسفارات بالتدخل في الشئون الداخلية لهذا الحد. لا خوف بالطبع على المعلمين اصحاب الرؤية الواضحة والحقوق المعتبرة في مواجهة سلطة جابية وغير مسئولة ، كما لا خوف عليهم من تدخل السفارات ، لكن يجب على كل النقابات والاجسام البديلة لها ، الانتباه الى خطورة الدور الذي سيلعبه التسوويين الذين هم بصدد الدخول في شراكة دم جديدة ، ولا يمكن ان يكونوا سلطة ونقابيين في نفس الوقت ، وخصما وحكما كذلك . الاساس هو أن الشارع صاحي، وأنه ممسك بقضاياه ، وأن الزبد حتماً سيذهب جفاء . وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!! .