تحت شعار "ضاقت خلاص" ، خرجت مليونية 17 يناير 2023م للاحتجاج على الضائقة المعيشية ونهج الجبايات الذي يعتبر مؤشرا لانهيار الدولة كمؤسسة ، وللمطالبة بعودة العسكر للثكنات و بحل الجنجويد ، ومحاسبة قتلة الثوار وقيام الدولة المدنية ورفض التسوية. في المقابل ، اسفرت السلطة الانقلابية عن حالة من الرعب وهي تترقب انضمام التسوويين اليها وترى بأم عينها عجزهم عن السيطرة على الشارع ، فلجأت الى اغلاقات غير مسبوقة ، حيث لم تكتف بإغلاق كبري المك نمر بل قامت بإغلاق كبري المسلمية وجعلت كبري الحرية اتجاه واحد خارج من الخرطوم واغلقت جميع الشوارع المؤدية للقصر الجمهوري وحولت وسط السوق العربي الى ثكنات عسكرية وحشود من قواتها المعادية للشعب وثورته. ولكن كل ذلك لم يمنع الثوار من التحرك من السوق العربي وموقف جاكسون مشرعين هتافهم الموحد الذي تردد في كل المواكب بالعاصمة المثلثة و وصل صداه الى مواكب مدني الصامدة "يامواطن ضاقت بيك طلوع الشارع فرض عليك" . و بالطيع لم تجد العصابة الحاكمة من ملجأ سوى العنف المفرط كالعادة ، حيث اغرقت المواكب بالغاز المسيل للدموع ، وسط صمود معهود عن الثوار ، وتصميم الوصول إلى القصر الجمهوري مثلما هو معلن. ولسنا في حاجة للقول بأن المليونية قد حققت اهدافها ، فهي من ناحية اكدت المؤكد وثبتت الرفض للتسوية وشراكة الدم الجديدة ، واوضحت رفض الحراك والمواطن لدولة الجباية والتطفل ، وعززت قدرة الشارع على صنع الحدث وتقدمه خطوات على التسوويين الذين يسعون لمشاركة الانقلابيين السلطة تاسيسا على اتفاقهم الاطاري المزعوم ، الذي سقط منذ اعلانه في ديسمبر الماضي ، ولكنهم مازالوا متشبثين به. لكن المؤسف هو دعم بعض الصحفيين الوطنيين لهذا الإتفاق المؤسس لتصفية الثورة واستمرار التمكين مؤخرا ، وذلك عبر بيان جماهيري نشر في الاسافير ولم ينكره أيا منهم ، وإن كنا نأمل من بعضهم الخروج والتبرؤ منه ، كما يتبرأ السليم من الأجرب . فالكتاب الصحفيين المذكورين مع تقديرنا لهم ، غلبوا التكتيكي على الاستراتيجي ، استنادا لتحليل احادي السبب وخاطئ يرى ان الإتفاق الإطاري فيه نواقص قابلة للاصلاح ، في حين انه يؤسس لتعويم التمكين وخلق شراكة دم جديدة ، ويزعم عدم وجود برنامج بديل ، وهذا غير صحيح ، وان صح يلزمهم بطرح هذا البديل بدلا من الانخراط في اتفاق يصفي الثورة. وهذه هي الانتهازية بعينها مهما حسنت النوايا ، لان الانتصار للتكتيكي على حساب هزيمة الاستراتيجي يقود دائماً الى كارثة وفشل أكيد . والاسئلة التي توجه لهم هي كيف سيعالج الإتفاق الإطاري الفراغ السياسي والاداري في ظل سيطرة اللجنة الامنية وقواتها على الأقتصاد وادوات العنف؟؟ هل بتوظيف هؤلاء الصحفيين او غيرهم من الوطنيين في جهاز الدولة في ظل سيطرة اللجنة الامنية على الاقتصاد واستخدام العنف ام ماذا ؟ وكيف سيتم ذلك في ظل جهاز امن انقاذي وجنجويد وقوات نظامية معادية ، واجهزة عدالة تابعة للإنقاذ ؟ !!! . الأمر واضح لكل ذي بصيرة حتى إن كان أعمى البصر ، وهو ان الطريق الخلاص لا يمكن ان يمر عبر مشاركة المجرمين السلطة ، بل حتماً يمر عبر إسقاط سلطتهم في حال سفورها وضعفها الحاليين او في حال تنكرت وجملت نفسها بواجهة من المدنيين التسوويين الخاضعين فعليا لها عبر مجلس الامن والدفاع المقترح . ولن يسعف التسوويون عودة د. حمدوك ، ولا دعم المجتمع الدولي لسلطة شراكة الدم الجديدة ، فكل هذا ليس إلا تجريب للمجرب واعادة لمسلسل الفشل . فالطريق معلوم ، وهو طريق الثورة والثوار ، حتى النصر الاكيد القادم لا محالة. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!! .