د. نور الدين بريمة أن يتعرّض المواطن إلى خطر في حِله وترحاله ليس مهمًا ، طالما أن جلاوزة الإنقلاب في سلام وأمان ، ولكن يبدو أنها طشّت هذه المرة ولحقت رقابهم ، يعني دخلت حوش (الدبابير) عظماء الضباط ، ممّا دعاهم إلى التهديد والوعيد بملاحقة قتلة الذوات ، اللهم لا شماتة في حُكمك ، ونسألك أن تحسن مثواهم وتجنبهم شرور الآخرة. وتعازينا الحارّة لأهاليهم ، وأن يلهمهم الله الصبر وحُسن العزاء ، وأن يرينا في قاتليهم عجائب قدرته ، إلا أن الشيئ الغريب في الأمر ، أننا في السودان جبُلنا بأن نشهد شيئًا نُكرًا عندما يُقتل أحدًا من عِلْية القوم- ذوي النفوذ والسطْوة- فتقوم الدنيا ولم تقعد ، ونفوسهم تجد الإهتمام حتى في البُكاء والنّعي والتّعْزية. والعكس فلمّا يُقتل واحدًا من القوم المساكين فهو (وليد مسكين) ، لا بُكاء ولا عزاء عليه- إلا من بني جلدته المُقرّبين ، ناهيك عن السعي لتحقيق العدالة وضبط الجُناة الذين قاموا بقتْله ، لعمري إنه أمر مخزي وعار على من يدعون حُكّامًا علينا وحُماة لنا ، وصارت المُدن لا تأمن عوارض النهار والليل والعدوّ من كل جانب. حيث ظلت مدينة نيالا لفترة ليست بالقصيرة ، تشهد هكذا أحداث لكنها كانت قاصرة على المواطنين العزّل ، بيد أن شرارة غدرها هذه المرة بدأت تتطاير على الذوات وأبناء المصارين البيض ، الذين صاروا لا يأمنون عواقب تحرّكاتهم ، وصارت شوارعهم وطرقاتهم مليئة بنطيحة الإنقلابيين ومتردّيتهم وما أكل السبع ، ومُتفلّتيهم الخارجين عن القانون!!. الذين ينبغي لهم حماية الوطن أرضًا وشعبًا ، أصبحوا يشكّلون تهديدًا لأرضه وشعبه وأمن مواطنيه ، وقديمًا كان الناس يخافون من المُفْترسات الحيوانيّة ، بينما الآن فالناس يتخوفون من المُفْترسات العسكريّة وحملة السلاح- وما أكثرهم في بلادي!!، لذلك بات المواطن لا يأمن شرّهم جميعًا ، وليس هذا غريبًا لأنها الحقيقة التي يعيشها المواطن أينما هو كائن كما أشرنا من قبل. وبات الناس في قلب المُدن يسمعون ويتفرّجون لإنتهاكات الجُناة وهم يقومون بالقتل والسفك والإصابة ، دون القبض أو المساءلة ، بل في كثير من الأحوال تسمع ما يفطر القلوب بأن من قاموا بذلك ينتمون إلى المُؤسّسات العسكريّة ، ولم يشهد المواطن أي تحرّكًا لقاداتهم للقبض عليهم وإحالتهم للقضاء أو إقامة الحدّ عليهم. وربّ العزّة يحدث هذا الإنفلات في وضح النهار ، وفي ظل وجود لجان أمن المحليات والولايات ورؤسائها المدراء التنفيذيون والولاة الإنقلابيّون، وبمساندة كل المؤسسات الشرطيّة والأمنيّة والعسكريّة والدّعميّة والمُشتركة ، وتوابعها من جيوش الحركات ، زد عليها سلاح الدّفاع الشعبي والشرطة الشعبيّة. وغيرها من (الجنجويد والأُمْباغة) المليشيات التي صنعها الإسلامويّون وأفرغوها في المدن والبوادي السّودانيّة ، حتى عمّت فِعالها الشنيعة القرى والحضر ، فتخيّل أن الألوف المؤلفة من هذه الجيوش ليست لها القدرة في تأمين المواطن ، وظلت عاجزة عن الضبط أو القبض على من تسمّيهم مجازًا بالمجموعات المتفلتة والخارجة عن القانون. وبالتالي فحُقّ لتلك الجماعات، أن تثير الرّعب والفوضى والقتل والسلب والنهب ، وكل صنوف الإنتهاك الإنساني في قلب المدن أو في ريفها ، أو في المنازل والشوارع ، تارة بعربات الدّفع الرّباعي وتارة أخرى بالدّرّاجات النّاريّة ، وربما بغيرهما كذلك ، وظل هذا المشهد متكرّرًا بصورة مُزعجة، لدرجة أن المواطن صار لا يأمن بوائق هيمنة تلك المليشيات العسكريّة.