كتبت هذا المقال قبل يومين وأنا في قمة الغضب والضغط النفسي ، فجاء مليئا بالغضب والسخط وبالرغم من اقتناعي وصدقي في كل حرف ورد فيه إلا أنني ربما في الظروف النفسية العادية كنت أختار لغة أكثر لينا ولطفا ، وكعادتي نسيت أن أذيله باسمي ، فوجئت بأن المقال انتشر ونسب إلى كتاب آخرين ، لا أخفيكم سرا ، كنت أريد أن أتحدث عن الجانب الإيجابي وأولئك الأكارم في كثير من بقاع السودان الذين فتحوا قلوبهم وبيوتهم وآووا الفارين من أتون الحرب ، أولئك الذين أقتسموا اللقمة واللحاف مع أناس لم يعرفوهم في حياتهم ، ولهم العتبى مني إذ لم أدرجهم وأعماني الغضب،، شعب ساقط للأسف وأقولها بملأ الفم للأسف ، نحن شعب يستحق الظلم والهوان ، نستحق هذه الذلة والمرمطة ، شعب تافه ، وضيع ، لا يتورع أن يصل إلى مآربه ضاربا كل القيم والمثل بعرض الحائط ، شعب جعان وعينه فارغة لا تمتلئ إلا بالتراب ملئ بالأحقاد والضغائن على بعضه لا يتمنى الخير لأحد ، يظل رافعا شعار (أنا والطوفان من بعدي) ، مهما قلت فلن أجد نعوتا أو أوصافا تعبر عن قباحة هذا الشعب ، كشفت الحرب العورات المقززة النتنة ، وسلطت الضوء على كمية من القبح والبؤس جاءت الحرب وانكشف المستور ، سقط القناع وتعرت الحقيقة في أبشع صورها ، يا حسرتي ويا ألمي ، بينما كانت الشعوب تبني أوطانها وتبني بنيها وتسلحهم بالعلم ، المعرفة والقيم والمثل ، كانت الأخلاق عندنا تسير بخطى حثيثة إلى الوراء ، طالها الدمار الذي طال كل شئ ، ومع الفقر إزداد الناس جوعا وجشعا ، فقدنا الخلق القويم والسلوك الإنساني الحسن . جموع من البشر قامت بسرقة كل شئ من المحلات التي انتهكت وكسرت وفتحت ، وليس أقسى من ذلك الشيخ الذي سرق كرتونة لحفاضات الأطفال ، سرقوا كل شئ ، لم يعصمهم وازع ديني ولا أخلاقي ، لم يحاولوا حتى أن يكبحوا جماح النفس الأمارة بالسوء ، بل سيطرت عليهم فكرة أن هذه فرصتهم ويجب أن يغتنموها ليثروا ويغنوا ، متناسين أن كل لحم نشأ من سحت ، النار أولى به ، اتضح أننا شعب حرامي بطبعه ، وفي داخل كل منا لص ، الفرق بين لص والآخر ، أن أحدهما أكثر شجاعة في ممارسة اللصوصية ويجتهد في عمله أكثر من ذلك الذي لم يضيع الفرصة حين أتته . قام جميع التجار في جميع البقالات والدكاكين الصغيرة بمضاعفة الأسعار أضعافاً ، لم يفكروا إلا أن هذه وسيلة لكسب المال السريع ، بغض النظر عن أنه كسب حقير ومال ملطخ بدماء الحرب بين عشية وضحاها استحال الحصول على أبسط متطلبات الحياة للغالبية ، لشح الموارد المالية جراء الحرب وفقدان الغالبية لمصادر رزقهم التي تعتمد على (رزق اليوم باليوم) ، وجشع التجار معدومي الضمير ، في جميع دول العالم المسلمة وغير المسلمة كالدول الأوروبية ، تقوم المحال التجارية بتخفيض السلع الاستهلاكية ، مع حلول شهر رمضان ، مما يعكس كما من الرقي والنبل والتكافل ، بينما عندنا في السودان ، تشهد الأسعار ارتفاعا جنونيا في رمضان في استغلال واضح لظرف الناس وهم يؤدون أحد أركان الإسلام الخمسة ، والكل لا يفكر في أجر أو بركة ، المهم هو كسب المال بأية وسيلة ، شعب ذميم قبيح . نأتي إلى الطامة الكبرى وقمة الانحطاط الأخلاقي ، عندما ارتجت أركان الخرطوم جراء الحرب ، الطلقات والدانات ، فقد الكثيرون أرواحهم ، أحبابهم ، أطرافهم وحواسهم ، بيوتهم وممتلكاتهم ، فحاول الباقون الفرار من القصف ، الرصاص والدانات ، واتجهوا إلى الولايات الأخرى بين من يمم شرقا وغربا هروبا من أتون الحرب وبحثا عن أمان ضاع في بيته ، تركوا كل ما يملكون وهربوا . هل تدرون يا سادتي الكرام ، ما الذي حدث ، تضاعفت الإيجارات في هذه الولايات عشرات المرات ، ولم يفكر أحد في أبناء جلدته ، وأنه قد تدور الدوائر ويصيبه ما أصاب هؤلاء الناس ، بل فكروا فقط أن هذه هي سانحتهم ليغتنوا ، بلغ إيجار البيت في مدينة شندي ومدني ، قرابة الأربعة آلاف دولار في الشهر متجاوزا بذلك أسعار البيوت في أحدى مدن كاليفورنيا ، لم يفكر أحد أن يرحم أخيه ، أن يتعاطف مع المأساة ، أن يضع نفسه مكان هذا اللاجئ الذي هرب تاركا منزله وممتلكاته هروبا من خطر الموت المحدق ، أكرر ما قلته في بداية مقالي ، نحن سفلة، ساقطون أخلاقيا ، لا يهمنا سوى المال ، وقد قالها الرسول الكريم ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، ونحن لا نرحم أحدا فلنا الويل،،،