وتراه أصغر ما تراه ناطقاً ويكون أكذب ما يكون ويقسم بيت شعر أحبه من قصيدة أحبها كثيراً للشاعر الجهبذ "المتنبيء"، كُتبت في عصور ماضية عن جاهل أفاك بذياك الزمان. لم تتكون حينها (النطفة) التي ستشقي لاحقاً حياة السودانيين، ولم يكن السيد "مني أركو مناوي" موجوداً، ولكن الشعر عابر للأزمنة والأمكنة، وخياله يرتاد الثريا. ولا أعلم هل لمناوي أصدقاء وأحباء وأعزاء، وسط أهله وحركته وجيشه، يفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه، ويغضبهم أن يظهر بطريقة سوقية مبتذلة كلما فتح فمه ناطقاً، ويحزنهم أن يحمل في جوفه كل هذه القدرة المرضية على الكذب والافتراء والإفك كلما كتب معبراً أو معلقاً؟! والأهم، في حال وجد بين أهله وجيشه من يهمهم أمره، أناشدهم بأن يسدوا له النصح، وينيروا له دروب حياته المظلمة، ولا ينسوا أن ينصحوه أيضاً بالكف عن الإسراف في الاستظراف، لأنه يفتقد لروح الدعابة، وأن يخبروه عنا – ينالهم ثواب- بأن النكتة وخفة الظل لا تأتي بالإصرار والترصد ولا تستحدث من العدم! كتب (مناوي) أمس، في تغريدة له بحسابه على "تويتر": (لقد أُُشعلت الحرب في بلادي بمخطط أعد له الذين يديرون الحرب الآن، هم مجرد أدوات داخلية على رأسهم "قحاطة"، الذين هم انسب أدوات، قد قاموا بتطبيق المخطط بالحرف، كما رُسم لهم، تنفيذا لارادة قوى خارجية)- انتهى مكتوب مناوي! واذا تجاوزنا ركاكة أسلوبه وفقر تعبيره، فلا توجد معلومة صحيحة في مكتوبه هذا تستحق عناء الرد، لأن الخطأ يكلله من مبتداه حتى منتهاه، وليس به ثمة صواب يستحق المزيد من التصويب. وكما هو واضح، فإن (مناوي) يريد أن يقول بان (قوى الحرية والتغيير) هي التي أشعلت الحرب، وهذه معلومة أقل ما يقال عنها إنها سخيفة، لأن الشعب السوداني كله يعلم، أن هذه الحرب قد وضعت لبنتها الأولى في ساحة اعتصام "الموز"، وتم الإعداد لها لاحقاً بصورتها النهائية في ورشة القاهرة، والتي دشنت رسمياً تحالفه (أي مناوي) مع فلول العهد البائد من الإسلاميين، ومجموعة (قوش)، وهو تحالف قائم – بالأوامر- على مناهضة الاتفاق الاطاري، مهما كانت التكلفة، وبدأت بعده التعبئة المشتركة ضد الاتفاق، بالمؤتمرات والندوات هنا، وبالتحريض في الإفطارات الرمضانية هناك، قبل ان يحين موعد إشعالهم شرارة الحرب الأولى في 15 أبريل المشؤوم. هذه الحقيقة اعترف بها حتى حلفاء مناوي من الإسلاميين. قالها "أنس عمر" و"الجزولي"، في اعترافاتهما، ومن قبلهما قالها مجرم الحرب (أحمد هارون)، في بيانه بعد هروبه من السجن عقب اندلاع الحرب، ووصفها بوضوح بأنها (حرب الإسلاميين)، وأطلق عليها اسم (حرب الكرامة)، الشيء الذي استخزت منه قيادة الجيش وقتها، وذهبت إلى أن حديث (هارون) لا يعنيها في شيء!! وأما حديث مناوي عن (قوى خارجية) وهو يحاول الغمز واللمز واتهام الحرية والتغيير ب(العمالة للخارج)، على طريقة المثل العربي "رمتني بدائها وانسلت"، وهو آخر من يحق له الحديث عن العمالة، لجهة أن عمالته وارتزاقه ليست محض اتهام، بل مشهودة ومعلومة، ولا يمكن إنكارها، مأكله منها ومشربه منها وملبسه منها، وإنا لله. والحرية والتغيير، إنما هي تحالف سياسي مدني سلمي، ليس لديها جنود أو بنادق حتى تقوم بتأجيرهم في ليبيا، ولم تشارك في ورشة تحت ضيافة مخابرات دولة أجنبية، ولخدمة أجندة تلك الدولة! كما لم تقبض أموال من (قوش) أو من أي جهة خارجية، استخباراتية كانت أو غيرها. ومن يقل بغير ذلك فليرمها بدليل وحجارة من سجيل! والأهم أن الحرية والتغيير لا تزال بداخل السودان، وفي عاصمته الخرطوم، وسط جماهير الشعب، وتعيش معهم ويلات الحرب ومشقة الحياة، ولا تزال تبذل كل جهدها من أجل إيقاف هذه الحرب اللعينة، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. لم تذهب إلى تشاد، وتستجدي السلاح لتزيد النار اشتعالاً، وبدوافع إثنية وعنصرية بغيضة. ولم تستقوى بالخارج على مواطنين سودانيين، بعد تقسيمهم إثنياً، كما يفعل (مناوي) في زيارته هذه الأيام للجارة "تشاد"، وتخويفها من دولة "عرب السودان" – الدعم السريع- الذين سيهددون في حال انتصارهم الهوية (الزغاوية) لدولة تشاد – ويا للبؤس! والأنكى والأمر أن (مناوي) في عمالته، اختار أسوأ وأردأ انواع العمالة ، وهي العمالة لصالح أنظمة هي في الأساس انظمة عميلة، أي أنه اختار أن يكون عميل بالوكالة لا بالأصالة- ويا للرخص! كنا نحلم بحياة أقل تعاسة، ووسط مجتمع سياسي أقل عهراً. كان ذلك بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة، وقبل أن يظهر في حيواتنا من حولوا السياسة إلى نخاسة، والوطن إلى بيت دعارة كبير وخطير، أكبر وأخطر من جلوسِ أخرقٍ وأجوف، منعدم الاتساق الفكري والأخلاقي، على سدة إقليم ملتهب مثل إقليم دارفور!