إذا انحرف الفكر، ساء السلوك تبعا لذلك لا محالة. وهذا ما ينطبق على عناصر الجنجويد الذين جاء بهم حميدتي من عرب الصحراء الكبرى ليكون منهم مرتزقة لغزو السودان أملاً في إنشاء مملكة آل دقلو بمساعدة جهات خارجية كثيرة وبدعم من قحت داخلياً حسبما ما جاء على لسان نشطائها في أكثر من مناسبة. هؤلاء الأعراب، منذ أن وطئت أقدامهم شمال إفريقيا، ظلوا في تلك الصحراء الواسعة الممتدة من شمال الجزائر حتى تخوم وسط غرب إفريقيا. وخلال فترة التيه الممتدة لم يخضع أعراب الصحراء إلي سلطان مباشر، سوى زعاماتهم المحلية التي تنظم شؤونهم وفقاً لأعراف غاية في التخلف والفوضى السلوكية؛ نتيجة لغياب أي مرتكزات فكرية تعصمهم من فعل المحرمات والموبقات، مع أن هؤلاء القوم يدينون بالإسلام ويتحدثون العربية ولغة الطوارق. ويقول بعض المؤرخين إن هؤلاء القوم قد أطلق عليهم اسم الطوارق أو "التوارك" لأنهم تركوا الهداية واتبعوا سبل الضلال، ولعل هذا الذي يفسر لنا ما فعله أفراد هذه المليشيا من سلب ونهب وحرق وتدمير واغتصاب في مدن العاصمة المثلثة، فأحالوا أمنها إلى خوف ونسفوا استقرارها وأخرجوا الناس من بيوتهم بلا وازع أو أخلاق. والطوارق لم يكن لهم أي نظام سياسي على مر التاريخ سوى دولة المرابطين. ولهذا ورث هؤلاء القوم الهمجية والفوضى وممارسة النهب والسلب في تلك الصحاري الشاسعة لقرون عديدة إذ لم يجمعهم كيان ضابط. ويضاف إلى ذلك أن انتشار الإسلام في غرف إفريقيا قد ارتبط بشيء من الخرافة والدجل، والشعوذة وبعض الأفكار الموروثة من التراث الإفريقي القديم. ومن الأفكار التي ظلت تعشعش على فكر عرب الصحراء ظهور مهدي أو زعيم عربي ينشئ دولة تمتد من أواسط السودان حتى بلاد شنقيط في موريتانيا وتكون هذه الدولة المزعومة تحت سيطرتهم ولهذا السبب عندما ظهر حميدتي كقائد للدعم السريع وجد قبولاً وتشجيعاً ومساندة من أعراب غرب أفريقيا خاصة من النيجر وتشاد وأفريقيا الوسطى ومالي وغيرها من الدول التي يوجد فيها هؤلاء الناس. وبكل تأكيد ليس هذا هو السبب الوحيد الذي جعلهم ينخرطون في صفوف مليشيا الدعم السريع، إذ أن من ضمن أفكارهم الضالة هي استباحة الغنائم عن طريق القتال، فكثيرون منهم إنما جاءوا أملاً في الحصول على الغنائم دون التكفير في حلها وحرمتها طالما أنهم قد خاضوا الحرب في سبيل الحصول عليها. ومن المؤسف حقاً أن قيادة المليشيا قد وجدت دعماً سياسياً من مجموعة أحزاب قحت ونشطائها الذين ظلوا يرددون أن الدعم السريع قد بات قوة لا يستهان بها، ولابد أن توضع في الاعتبار في أي معادلة أو محاصصة سياسية في السودان حسبما جاء على لسان كل من خالد سلك وياسر عرمان وغيرهم. ومن هذا المنطلق دعمت قحت حميدتي باعتبار أنه من سيعيد الأمور إلى مسارها المدني، ويحقق لهم حلمهم في حكم ديمقراطي يكونون فيه اللحمة والسداة؛ حتى ينفذوا مآربهم المتمثلة في تطبيق كل ما هو ضد الإسلام مثل إباحة المثلية وتطبيق اتفاقية سيداو وغيرها مما يرضي عنهم الغرب. وعلى حين غفلة وانشغال من الجيش السوداني استغل حميدتي الفرصة وتوسع في علاقاته الدولية والإقليمية وحصل على ترسانة ضخمة من الأسلحة والعتاد الحربي وأنشأ إمبراطورية اقتصادية أسند أدارتها لآل دقلو واشترى كثيراً من الذمم؛ ظناً منه أن ذلك سوف يوصله إلى سدة الحكم في السودان. أما حلفاؤه الإقليمين والدوليين فقد تباينت أجندتهم إذ منهم من يطمع في ذهب السودان ونال منه نصيباً مقدراً، وآخرون منهم يريدون السيطرة على موانئ السودان في سواحل البحر الأحمر؛ لكي يحافظوا على أمن إسرائيل، بينما كانت فرنسا تنوي إقامة دولة لعرب الصحراء انتقاماً من الأفارقة الذين بدأوا يتخلصون من سيطرتها العسكرية والسياسية والاقتصادية. لكن قدر الله أن يكون الجيش السوداني متماسكاً على الرغم من محاولات الاختراق التي قام بها الدعم السريع وبعض البعثات الدبلوماسية في الخرطوم. ولذلك انهارت الخطة اللعينة للسيطرة على العاصمة وبعض المقار الحيوية فيها إثر الهجمة الغادرة التي شنها الدعم السريع في صبيحة الخامس عشر من شهر أبريل الماضي. وحتى الآن نستطيع القول إن الجيش السوداني قد امتص الصدمة الأولى واستطاع تحقيق مكاسب كبيرة في أرض المعركة مما أربك كل الداعمين للمليشيا المتمردة. [email protected]