بعد فض الاعتصام ومجازر المجلس العسكري بقيادة البرهان وحميدتي ، اصبحت ثورة ديسمبر اما ثلاث خيارات :- ان تنهزم الثورة كما حدث في ثورة سبتمبر 2013م . – ان يحمل الثوار السلاح ويقاتلوا الجيش والجنجويد كما حدث في سوريا. – ان يحدث اتفاق سياسي بين الثوار والمؤسسة العسكرية يقود إلى الحكم المدني على طريقة المساومات الشهيرة للتحولات الديمقراطية في العالم كما حدث في بعض دول اوربا وامريكا في الماضي. السياسيون فضلوا الحوار والاتفاق السياسي على الحرب وعلى هزيمة الشارع والعودة للشمولية. الان في ظل الحرب الراهنة يقول السياسيون نفس الشيء ان يتم تفضيل الحوار على الحرب. قبل انطلاق هذه الحرب مباشرة كانت نذرها موجودة لذلك طرحت القوى السياسية الاتفاق الاطاريء من أجل استباق الحرب بالحوار ، الجيش والدعم السريع كانوا موافقين ظاهريا على الاتفاق ، وفي اخر لحظة انسحب الجيش فجاة من توقيع الاتفاق. قبل انسحاب الجيش كان واضحا ان الجيش منقسم حول الاتفاق ، وان داخله تيار قوي ضد الاطاريء ويقود هذا التيار كيزان الجيش الذين زرعتهم الحركة الاسلامية في الجيش على مدى 30 سنة من حكمها واصبحوا موجودين في كل مناصب ومراتب ودرجات القيادة داخل الجيش. رافق حراك كيزان الجيش تصريحات للسياسيين الكيزان والفلول حيث أعلنوا مرات ومرات انهم لن يتركوا هذا الاتفاق ان يمر ، وأنهم سيفعلون كل شيء لإيقاف توقيع وتنفيذ هذا الاتفاق ، وظهر مترافقا مع هذه التصريحات حشدهم لكتائبهم الجهادية مثل كتيبة البراء وكتائب الدفاع الشعبي وكتيبة هيئة العمليات ، وتبجح احدهم في فيديو منشور في الاسافير انهم جاهزين لاستنفار خمسمائة الف مجاهد لايقاف هذا الاتفاق، وقد شاهدهم الناس وهم يعتدون خلال هياجهم هذا اكثر من مرة على دار المحامين التي كانت تناقش في مسودة الدستور الانتقالي ، واعتدوا على اكثر من ندوة لقوى الحرية والتغيير ولقوى الثورة الاخرى ، وهددوا علنا باشعال السودان كله على ان لا يوقع هذا الاتفاق ، وكل هذه الادلة مبذولة في الوسائط ، ويستغرب الشخص ان هناك من يتعامى عن كل ذلك ويصف الاطاريء بتفجير الحرب! . قد يسأل سائل لماذا هاج الكيزان وماجوا واطلقوا الحرب لمنع توقيع الاتفاق الاطاريء؟ الاجابة لانه كان سيجردهم من آخر معقل لهم وهو الجيش بعد ان جردتهم لجنة التمكين من معاقلهم المدنية. الكيزان لم يكن لديهم مانع من تفكيكهم مدنيا ، فالمؤسسات المدنية ليست حاسمة في عملية استعادة السلطة في دول العالم الثالث ، لكن تفكيك التمكين في الجيش بالنسبة لهم كان خطا احمرا ، لأن الجيش هو السلاح الوحيد الذي سيمكنهم من الرجوع للسلطة في اي لحظة عبر الانقلابات ، وهذا ما جربوه ونجحوا فيه في انقلاب 25/اكتوبر ، وربما هنا سيظهر لكم معنى توقيت انقلاب 25/اكتوبر ليكون بالضبط قبل تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين والتي تعني وجود شخص مدني يرأس الاجهزة العسكرية ، وجود شخص مدني من الثوار يرأس الجيش كان خطرا ماحقا علي الكيزان لذلك استبقوه بتنفيذ الانقلاب. بعد الانقلاب ظن الكيزان وفلولهم ان الامور دانت لهم خاصة بعد ان رجعوا بكاملهم للأجهزة المدنية والامنية والشرطية والعسكرية ، لكن قوى الحرية والتغيير كانت لهم بالمرصاد ، فجاءت لهم بالاتفاق الاطاريء المدعوم دوليا من قبل الاممالمتحدة والاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي والرباعية الدولية ومن ضمنها امريكا والسعودية، فلم يكن امامهم الا اشعال هذه الحرب من أجل قطع الطريق تماما على هذا الاتفاق وعلى وجود قوى الحرية والتغيير التي تغلق عليهم ابواب عودتهم بابا بعد باب ، وقالوها بالفم المليان في الفضائيات انهم بهذه الحرب لن يسمحوا بوجود قوى الحرية والتغيير حتى ولو يحرق السودان كله. لذلك هذه الحرب هي في الاصل حرب الكيزان ضد القوى المدنية ومشروعها في اقامة حكم مدني ، وليست حربا ضد الدعم السريع ، هم اتخذوا الدعم السريع وسيلة لتحقيق ذلك وظنوه لقمة سائغة سوف يلتهمونها في ست ساعات ، ولكنهم كانوا مخطئين تماما ووقعوا في شر اعمالهم وسقطوا في مواجهة كابوس صنعوه بانفسهم اسمه الدعم السريع. نواصل ..