سيكون لنا وطن او اوطان متفرقة وغالبا فاشلة وتشبه تماما مقدرات مثقفينا والمتعلمين منا ومن يشتغلون بامر السياسة فينا في قبول بعضنا البعض والاستماع الجيد الي بعضنا البعض والرغبة الصادقة في معرفة المصادر الفكرية والعاطفية لمواقفنا. الطريقة التي ندير بها اتفاقنا واختلافنا اليوم تؤكد ان الاحتجاج علي الظلم الاجتماعي والاقتصادي واسقاط هذا الطاغية او ذاك، لا تؤدي بداهة الي اقامة وطن يسعنا جميعا. فالهوة لا زالت شاسعة بين رغبتنا في التحرر واقامة وطن ديمقراطي يحترم ادمية الجميع وبين مقدراتنا ومهاراتنا علي تنزيل هذا الحلم الي ارض الواقع. فرفض الظلم والثورة عليه لا يعني المقدرة ولا التأهيل لاقامة دولة العدل التي تسع الجميع وتكون اناء جامعا لنا لتحقيق طموحاتنا، فنحن علي استعداد عاطفي لان نكون قطيعا حول من نتفق معه وان نهلل ونكبر بحمده وبدرجاته العلمية في ضرب ضيق جدا من ضروب المعرفة فيكون رأيه هو القول الفصل في كل امورنا الحياتية، ويكون دورنا ان نصفق و نهلل و "نبل" من يجرؤ ويتسأل عن راي من ارتضيناه قائدا لقطيعنا. ليس هناك شعب من الاذكياء او الاغبياء وهذه حقيقة لا ينكرها الا العنصريون . والذكاء هنا لا يقتصر علي تذكر المعلومات والمقدرة علي استرجاعها ولا حتي المقدرة علي الاستنتاج المنطقي والاشارة الي علاقات النتائج باسبابها ولا الحصول علي درجة الماجستير او الدكتوراة في هذا الضرب او ذاك من ضروب المعرفة. لقد انتبه العالم قبل ستة عقود او اكثر الي اهمية الذكاء الاجتماعي وتطور الامر بعده الي اهمية الذكاء الروحي. ولم تفوت معظم شعوب العالم المتقدم فرصة تدريب وتهذيب عواطف ومشاعر معظم مواطنيها لقبول بعضهم البعض مما وفر الحد الادني لادارة حوار يستفيد من الذكاء الجمعي ومن الاقتراب من المشكلات التي تواجههم من مختلف الزوايا مما يعني فهما اعمق وحلولا انجع. ادراك ان هناك مستوي اخر من الذكاء يكاد ان يفوق الذكاء المألوف ادي الي تغيير نظرة تلك المجتمعات الي السياسيين والي مناهج التعليم والي إعلاء شأن العمل في اتيام تستثمر في اختلاف الاراء والتنوع لتجعل منه مصدر غني لا افقار. لقد ساعد هذا الادراك في ترويض مشاعر وعواطف مواطني تلك الدول لتقليل مقدرات الوحش في دواخلهم علي التدمير، بمعرفة مشاعر وعواطف الفرد والتحكم فيها، ومعرفة مشاعر وعواطف الاخر والاقتراب منها بالفضول وحب الاستطلاع و المعرفة والتعاطف معها حتي يتمكنون من ادارة حوار مفيد للجميع. ذكاء الامم ليس ذكاء الافراد متفرقين ولا عدد حاملي شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراة في هذا الضرب او ذاك من ضروب المعرفة. ذكاء الامم هو محصلة ذكاء تفاعل الافراد ومقدرتهم علي توليد افكار واراء هي حصيلة البناء علي افكارهم وأراهم مجتمعين، وهو ما يكون العقل الجمعي والحكمة الجمعية التي تقود هذه الامة او تلك الي الامام. فكثيرا ما يتعامل احدنا مع قادم من هذا البلد الاوروبي او ذاك وتصيبنا الدهشة انه ليس اكثر ذكاء منا. ننسي تمام ان ذكاء الفرد في مؤسسة تسع الفرد وتهتم بعمل المجموعة كمناخ صحي يعضد ويقوي ذكاء الافراد. لا نقول بعدم اهمية الاذكياء الافراد ولا بعدم تاثيرهم ولكن اقامة وطن يسع الجميع يحتاج الي التخلي عن روح القطيع فينا ويحتاج الي ان نسعي الي فهم بعضنا البعض وان نفترض حسن النية في الاخر دون ان نغمض اعيننا عن سوء النية ان تبدي لنا .ان الاقتراب من شوون بلادنا برغبة صادقة في ان نعمل سويا وان نركز علي ما يجمعنا لا علي ما يفرقنا هو الامر المحوري الذي هزم ويهزم وسيهزم كل هبات وثورات شعبنا. التركيز علي ما يجمعنا لا يعني تبني مواقف الاخر ولكن يعني ان نقترب من مواقف الاخر بذهن مفتوح خال من التعصب ، وان نخضع مواقفنا لضوء مواقف الاخر. ان نسلط علي مواقفنا المزيد من الضوء وان نقف منها علي بعد يمكننا من الحكم عليها بشكل افضل. اننا نحتاج الي شجاعة اخري، شجاعة ذكية ومرهفة تختلف نوعيا عن شجاعة جز الرؤوس وسحق الاخر وتخوينه، شجاعة تختلف عن شجاعة القطيع في التمترس خلف قائد القطيع. [email protected] 20/09/2023