دائماً يورطون أنفسهم من حيث لا يحتسبون؛ إنهم العسكر الأغبياء الذين يحسنون الظن بأنفسهم. ومثلما فعل سلفه "البشير" ذات زلة للسانه المنفلت بجريمة الإبادة الجماعية في دارفور، وكما اعترف الأرعن النزق "مني أركو مناوي" أمس الأول بأن الحرب قد اندلعت في المدينة الرياضية يوم 15 أبريل فيما أراد أن ينفي أن الجيش هو من أشعلها. هاهو البرهان يعترف أيضاً من حيث أراد إلصاق التهمة بالدعم السريع، بأنه من ارتكب بالأصالة مذبحة فض اعتصام القيادة العامة 13 يونيو، 2019. قائد الجيش في خضم هياجه وغيابه عن الوعي، صرح السبت المنصرم بمدينة عطبرة؛ وذلك في سياق حديثه عن قوات الدعم السريع في الحرب الدائرة الآن، قائلًا بأنها متورطة في فض اعتصام القيادة العامة والتنكيل بالشعب السوداني، وإمعاناُ في الغباء وثقت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) هذه التصريحات الخطيرة ضمن بيان صحفي نشرته بين ظهرانيها تباهياً وافتخارا، بأن قائدها (جاب التايهة) وورط الدعم السريع وأوقع به، فيما الرجل – يا أسفي – يضع نفسه فريسة سائغة ويسقط نفسه بنفسه في شرك (شرك أم زريدو) الذي تحدث عنه قائد الدعم السريع في مناسبة سابقة، وهو فخ ينصب للطيور كلما حاولت الخروج عنه اشتدت قبضته عليها. الغريب في الأمر، أن لا أحد بما في ذلك قوات الدعم السريع، نصب الشراك للرجل، وإنما وحده من يقوم بهذه المهمة ويلف حبل المشنقة حول عنقه . وقال قانونيون في تصريحات صحفية متطابقة أن جريمة فض الاعتصام حدثت عندما كان البرهان يشغل منصب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم وقت وقوعها؛ مشيرين إلى ما قاله في هذا الخصوص يوقعة تحت طائلة نصوص نحو (18) مادة وقاعدة قانونية في القانون الجنائي السوداني والقانون الدولي وبروتوكولات المحكمة الجنائية الدولية واتفاقية روما والقانون العرفي الخاص باللجنة الدولية للصليب الأحمر. وأشار القانونيون أنه فيما لو صحت تصريحات قائد الجيش، فإنه سيقع تحت طائلة الإدانة لكونه كان رأس الدولة حين وقوع المذبحة المهولة فعمد إلى التستر على الجريمة وانكارها وطمس معالمها وإخفاء أدلتها والتستر عليها. أمر آخر مهم، لا بد من التطرق إليه في هذه السانحة، وهو أن قائد الجيش نفسه ورئيس المجلس العسكري الانتقالي حينما تم فض الاعتصام، اتخذ بعده إجراءات انقلابية مبذولة وموثقة؛ عندما أوقف التفاوض مع قوي الحرية والتغيير، وأعلن في بيان بثه التلفزيون الحكومي أنه بصدد تشكيل حكومة انتقالية في غضون 9 أشهر من انقلابه، لكنه تراجع تحت الضغط الشعبي الكبير والمساند الإقلمية والدولية، فعاد إلى رشده ريثما يحاول مرة أخرى. هذا الانقلاب الذي أعقب فض الاعتصام، وحدة يكفي كدليل مادي على أن الرجل هو من اتخذ قرار فض الاعتصام؛ تمهيداً لانقلابه، دعك عن بقية الأدلة والقرائن الأخرى الموثقة والمبذولة، مثل تزامن المذبحة مع قطع خدمة الإنترنت، وإغلاق بوابات القيادة أمام المعتصمين الذين حاولوا اللجوء للجيش ليحميهم من نفسه، لكن هيهات. وأشار مختصون منهم المحامي الشهير، "المعز حضرة"، أن اتهام البرهان للدعم السريع بالتورط في فض اعتصام القيادة ينطوي على اعتراف شخصي قوي يمكن أن يدينه داعياً إلى تدوين بلاغ جنائي في مواجه البرهان والاخرين معتبراً تصريح الرجل اعتراف شبه كاف بمسؤوليته عن هذه الجريمة التي حدثت امام ناظريه عندما كان على رأس السلطة حينها، كما أنه نفى أكثر من مرة صلة قادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع بجريمة فض الاعتصام، وصمت عنها طوال الأربعة اعوام المنصرمة. إذا كان البرهان يعتقد أن تصريحة هذا سيعفيه عن المسؤولية الجنائية، فإنه ضل طريقه وأوقع نفسه بنفسه ووضع رقبته تحت المشنقة، لأن مثل هذا التصريح الغبي سيورطة حتى أخامص قدميه بصفته رأس الدولة وقائد القوات المسلحة والمسؤول الأول عن الأمن وحماية المواطنين في ذلك الوقت وحتى الآن. لقد ورط الرجل نفسه ورطة عجز عنها الآخرين، إذ أن الاعتراف (سيد الأدلة)، وها هو اعتراف موثق، والآن تعمل مؤسسات وجهات قانونية عديدة على استخدام هذا التصريح من أجل تدوين بلاغات جنائية ورفع دعاوٍ قضائية في النيابات والمحاكم المحلية والدولية من أجل التحقيق مع الرجل وجلبه إلى العدالة صاغراً ولاقتصاص منه؛ فالله يمهل ولا يمهل؛ "والتسوي كريت فيي القرض تلقى في جلدها" كما يقول المثل الشعبي السوداني.