مستشار سابق لحميدتي يطلق تحذيرًا لسيناريو خطير يداهم أبواب الفرقة السادسة في الفاشر    الهجرة الدولية للأمم المتّحدة تعيد افتتاح مكتبها في الخرطوم    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: السودان يشهد أكثر التحولات السياسية تعقيدا    الجزيرة تصنع درعها    المريخ بربر يعزز صفوفه بالمهاجم القناص عمار سراج    عودة إلى العمل.. الهلال يستعد لمواجهة حاسمة في سيكافا    أخَوات (إنّ) بالرِّضَاعَة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أيام الذكاء في السينما)    الجهدية والجاهزية فَرْق مِقْدَار !!    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    شعب منكوب محاط بالغزاة والطامعين ومغتصبي الأرض والنساء والمعادن    رئيس مجلس الوزراء يلتقي السفير المصري بالسودان    مقتل ماكن ستكون آثاره كبيرة على مليشيات التمرد بكردفان    "فيلم ثقافي".. هل تعمد صلاح استفزاز بوركينا فاسو؟    «لا يُجيدون الفصحى».. ممثل سوري شهير يسخر من الفنانين المصريين: «عندهم مشكلة حقيقية» (فيديو)    تسلل طائرة مسيرة حوثية قرب مفاعل ديمونا الإسرائيلي    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الهلال والأهلي مدني يتعادلان في سيكافا    شاهد بالصورة.. بعد هجوم الجمهور عليه.. المذيع حازم حلمي يكتب تدوينة مؤثرة: (ممكن أغلط وأقع في أخطاء، لكن عمري ما كنت بسوء ظن بعض الناس.. كلنا بنحب السودان، لكن ما بنحب بعض)    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    السوداني يشكل لجنة تحقيق في شبهات تهريب النفط    شاهد بالفيديو.. "عينك فوقو تركب فوقو".. الفريق كباشي يحمس جنود الجيش في محاور القتال بكردفان بإشارة البرهان    شاهد.. الفنانة ميادة قمر الدين تفتح النار على زميلتها المطربة إيمان الشريف: (كفاية تناخيس وخساسة وضرب على الضهر)    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    شاهد بالفيديو.. فنان سوداني يشعل حفل غنائي في مصر وأسطورة نادي الزمالك وساحر الكرة المصرية يتفاعل في الرقص إعجاباً بأغنياته    شاهد بالصورة والفيديو.. في مشهد مؤثر.. فتاة سودانية تعانق والدها وتبكي معه فرحاً بعقد قرانها    انقطاع كابلات البحر الأحمر.. ما أسبابه وكيف أثّر على الإنترنت    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    الإمارات تتوقف عن استيراد النفط السوداني    شاهد.. كروان الطمبور يبعث برسالة قوية للمطرب "الفارس" الذي وبخ الجمهور وحسم الفوضى وفرض النظام داخل حفل غنائي    كسلا تستعد لإقامة ملتقى الاستثمار الثالث    بيان للجمعية السودانية لعلوم الفلك    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    بالصورة.. حسناء الفن أفراح عصام تتغزل في سيدة الغناء السوداني وتطلق عليها لقب "المرعبة": (انتي في مكان بعيد شديد لا يقبل أي مقارنة)    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    ساعات حاسمة ..أرتال عسكرية تتحرك نحو طرابلس    من صدمات يوم القيامة    حسين خوجلي يكتب: الأمة الشاهدة بين أشواق شوقي وأشواك نتنياهو    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    انتشال جثث 3 شقيقات سودانيات في البحر المتوسط خلال هجرة غير شرعية    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    اتهام طبيب بتسجيل 4500 فيديو سري لزميلاته في الحمامات    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدنية والعسكرية وأثرهما على نمو وتطور الحضارات (2)
نشر في الراكوبة يوم 10 - 10 - 2023

ومن التجارب التى وعى نهاياتها من هم فى نفس أعمارنا، انهيار الرايخ الثالث الألمانى والذى ضم أقوى جيوش القرن العشرين، والذى تكون من ثلاثة ملايين جندى مدرب تدريبا حديثا، ومئات الآلاف من الدبابات والطائرات، والمدافع، فى مقابل مجتمع مدنى ألمانى ضعيف التكوين، ومنساق وراء دعاية (جوبلز)، التى تعلى من شأن هتلروأفكاره العنصرية، بأن الألمان أذكى العناصر وينبغى أن يحكموا العالم بأسره. وكانت النتيجة الحتمية، هزيمة ألمانيا وتقسيمها بين دول الحلفاء.
وقد يتساءل البعض، هل معنى ذلك أن نهمل الجيوش وإعدادها وتدريبها ورفع مستواها العلمى والمهنى والتكنولوجى؟ الإجابة أسوقها إلى القراء الأعزاء وإلى مسؤولى الدول، من خلال محاضرة البروفيسير (الماجدى) الذى حذر فى محاضرته المعتمدة على حقائق التاريخ من أن يطغى الجانب العسكرى فى الدولة على الجانب المدنى، وذكر أن استمرار الدول والحضارات يعتمد على التوازن بين الجانبين، الاهتمام بالجانب العسكرى من ناحية التأهيل المهنى الجيد للقادة والجنود معا، وغرس العقيدة الوطنية بهم جميعا، وعدم وجود فوارق كبيرة فى المخصصات المادية بين القادة والجنود، وعدم وجود فوارق مادية أيضا بين العسكر ورصفائهم من المدنيين. وحذر من أن إهمال مراعاة ذلك يحدث خللا خطيرا فى المجتمع يترتب عليه الانهيار الحتمى للدول والحضارات..!
وقد أكدت محاضرة البروف على أهمية تقوية المجتمع المدنى، بداية من تنظيم مؤسسات الدولة المختلفة، وترقية الخدمة المدنية بها لتصبح على أعلى مستوى مهنى وعلمى ممكن، ثم تنمية الأحزاب السياسية ومساعدتها على تطوير برامجها الوطنية، وتدعيم منظمات المجتمع المدنى، مثل نقابات العمال والموظفين العاملين بالدولة والقطاعات الخاصة، وبيان حقوقهم وواجباتهم، نزولا إلى لجان الأحياء وتنظيمها وتقويتها. وذكر أمثلة لدول كثيرة عربية وأجنبية، اهتمت بالجيوش وصرفت عليها مبالغ طائلة، وأهملت مواطن القوة الحقيقية للمجتمع المدنى، وكانت النتيجة الانهيار المفاجىء لهذه الدول، وارتباكها، وتخبطها، وتخلفها عن اللحاق بالدول المتطورة. وهنالك أمثلة كثيرة فى العالم العربى، لا داع لذكرها.
وما دمت قد تطرقت إلى مثال انهيار الرايخ الثالث فى الحرب العالمية الثانية ، أذكر هنا جانبا إيجابيا يُروى فى هذه الحالة، ويوضح قوة المجتمع المدنى فى فرنسا، فقد سقطت فرنسا على يد الألمان باحتلالهم لباريس فى الرابع عشرمن يونيوعام 1940م، مما اضطر الجنرال (ديقول) للإنسحاب تكتيكيا بما تبقى من جيشه إلى بريطانيا بسفن انجليزية، وهو (تقدير موقف) يعبر عن إلمامه الواعى السليم بمدى قوة العدو، وبالتالى إمكانات جيشه ومدى مقدرته على المقاومة.
ولكن المقاومة الفرنسية المدنية من قبل الشعب الفرنسى ومنظماته القوية، استطاعت هزيمة أقوى جيوش العالم، بقتل أعداد كبيرة منه يوميا بغارات ليلية على دوريات الجيش الألمانى، ولما زادت أعداد القتلى من الجنود الألمان، أعطى (هتلر) أوامره للحاكم العسكرى الألمانى لباريس بتدمير باريس بالطيران وتسويتها بالأرض، وتطبيق ذلك على المدن الفرنسية الأخرى. وتذكر صفحات التاريخ المضيئة كيف تم إنقاذ باريس، فقد أقنع القنصل السويسرى بباريس الحاكم العسكرى الألمانى بتأخير أوامر هتلر بتدمير باريس لأيام قليلة، لأن الجيش الألمانى قد هُزم أمام الروس، وأن الأخبار المتواترة تؤكد أن الولايات المتحدة سوف تدخل الحرب إلى جانب الحلفاء، وأن هزيمة هتلر قد اقتربت، وقال له جملة خلدها التاريخ: (سيذكر لك العالم أنك لم تدمر أجمل مدنه..!). وكان النزول الشهيرعلى شاطىء (نورماندى) بفرنسا من قبل الجيوش الأمريكية والبريطانية والفرنسية وتحرير فرنسا وبقية أوروبا وهزيمة ألمانيا النازية.
ولا زالت قصص (أثينا) و(أسبرطة) والتناقض الهائل بينهما ماثل للعيان فى الأدب العالمى، رغم مرور حوالى ثلاثين قرنا من الزمان، ولازالت (أثينا) تشرق على صفحات التاريخ الوضيئة، بمدنيتها الكاملة، وبرلمانها المهيب، وشوارعها المضاءة والمبلطة بالحجر، ومبانيها الفخمة، لتظل النموذج الأول للديموقراطية فى العالم، والذى ازدهر فيه نتاج كبار الفلاسفة العالميين سقراط وأفلاطون وأرسطو، وعدد كبير من علماء الطبيعة والفلك.
أما منافستها (أسبرطة)، الدولة العسكرية الأشهر فى تاريخ اليونان القديمة، والتى ركزت على تدريب أبنائها على القتال والحروب فقط ، وكان همها الوحيد أن تهزم أثينا فى الحرب، ثم لا يجد جنودها شيئا ليفعلوه بعد انتصارهم سوى الجلوس فى مبانى (الأكاديمية)(1) بأثينا ليحاولوا التعلم، ولكنهم يفشلون، ويقرروا العودة إلى أسبرطة لتدريب أبنائهم على فنون القتال. ولهذا ذابت أسبرطة فى طيات التاريخ القديم، ولا يذكرها أحد الآن، إلا كنموذج سيىء للمجتمعات الفاشلة.
وقد يأخذ العجب بعض القراء الأعزاء إذا عرفوا أن هنالك دولا بلا جيوش وتعيش فى أمان، وهى دول صغيرة فى مساحاتها وعدد مواطنيها، ولكنها اختارت أن تعيش بلا جيوش، محتفظة بعلاقات جوار جيدة مع جيرانها، مركزة على التنمية المدنية وتحقيق الرفاه لشعوبها، وهى ثمانى دول مستقلة: أندورا، بالاو، كيريباتى، الفاتيكان، غرينادا، كوستاريكا، توفالو، ومكرونيزيا المتحدة.
وإلى عهد قريب كانت دولة سويسرا بلا جيوش، وهى تنتهج سياسة الحياد وعدم الدخول فى أية تحالفات دولية، وقد كونت جيشا رمزيا منذ سنوات قليلة لتحقيق الأمن الداخلى والحفاظ على حدود الدولة، دون أى أطماع فى دول الجوار. وركزت منذ عشرات السنين على تقوية مجتمعها المدنى وتنمية اقتصادها لتصبح من الدول التى تسجل أعلى دخل فردى فى العالم، وتسجل سويسرا فائضا تجاريا سنويا حوالى 19 مليار فرنك. ويبلغ الاحتياطى النقدى لديها بالبنك المركزى السويسرى 800 مليار دولار أمريكى..!
أما الأخلاق، الميزان بين المكونين السابقين، فتعتبر معيار التنفيد الجيد للمكونين السابقين، وهى تربط بينهما برباط وثيق، يحقق الديمومة للحضارة، والتطوروالتقدم وترقية الشعوب..! إن إقامة جسور الأخلاق الحسنة بين البشر، معناه انسجام الحياة بمكوناتها وقوانينها وسننها فى تناغم وألفة عجيبة، فتلتقي المتنافرات وتنسجم المتباينات في أنس ومحبة، فلا خوف ولا اضطراب، ولا بؤس ولا شقاء، ولا طمع ولا جشع، ولا كبر ولا غرور، ولا جور ولا طغيان، ولا خوف ولا إرهاب، وإنما هنالك صدق ومحبة، وعدل ورضا، ورفق وإخاء، وإخلاص وعمل. تلك هي الحضارة الحقيقية التى توفر السعادة للإنسان، والراحة لأعماق النفس الإنسانية، بل هي الغاية التي أرادها الله سبحانه وتعالى لعباده، من أجل سعادتهم في الدنيا والآخرة. فالحضارات لا ترتقى ولا تتطور بغير الأخلاق، لأنها الأساس القوى لمنظومة الحياة المتكاملة، والتى تحقق النفع والسعادة للبشرية جمعاء.
تحليل عميق، يحتاج إلى قراءة متأنية للمجتمع وللأفراد، للمدنيين والعسكريين، للرؤساء والمرؤوسين. كما يحتاج إلى تفسيرات وشروح وإضافات أطول وأعمق من الحيز المطلوب للمقال..! مما يدعونا جميعا لتركيز التفكير فيما طُرح هنا من أفكار، فعند تمثله، قد يتيح لدولتنا الاستقرار، بعد سكون قعقعة المدافع، وصمت أزيز الطائرات، وتوقف بكاء الأطفال، وجفاف دموع اليتامى والأرامل، وانتهاء سنوات الفرقة والشتات وتدمير المجتمعات..!
[email protected]
——————————————
(1) اسم المبنى الذى كان يحاضر به الفلاسفة الكبار، ومنه تم اشتقاق لفظ Academic


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.