قتل ثلاثة مدنيين وأصيب آخرون، أمس الإثنين، بسبب قصف مدفعي من قبل قوات الدعم السريع على مستشفى النو في أم درمان، غربي العاصمة السودانية الخرطوم، بينما تواصلت الاشتباكات العسكرية في عدد من المناطق بالبلاد، في حين حذرت منظمات دولية من أنه في حال استمرار الحرب لن يتمكن أي طفل من العودة إلى المدرسة في الأشهر المقبلة، مشيرة إلى أن هناك ما يقدر بنحو 19 مليون طفل في السودان خارج المدرسة. وقال شهود عيان ل"القدس العربي"، إن قذيفتين سقطتا داخل باحة مستشفى النو بأم درمان مما أدى إلى وفاة ثلاثة مواطنين وجرح آخرين نقل بعضهم إلى مستشفى شندي بولاية نهر النيل لتلقي العلاج. وأفادوا بأن إدارة المستشفى قررت إغلاقه عقب تكرر القصف المدفعي عليه طوال خلال اليومين الماضيين، ونددت لجان مقاومة في الخرطوم بعملية استهداف المستشفى، إذ قال "تجمع أبناء العاصمة الوطنية أم درمان": "الحادثة تؤكد بربرية وهمجية هذه المليشيا واستعدادها لارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية والاعتداء على المدنيين تحت غطاء الحرب اللعينة"، ودعا في بيان له، المجتمع الدولي والإقليمي بتصنيف "الدعم السريع" كمليشيا إرهابية. سقطت في 16 أغسطس/آب قذائف على شمال المستشفى وجنوب غربه، وفي أيام ذروة القتال في الجوار، كما يتعرض الأطباء والمتطوعون لمضايقات أمنية. ويذكر أن "النو" يستقبل في الغالب المصابين جراء العنف، بالرغم من بقائه متاحًا للمرضى الذين يعانون من حالات طبية طارئة أخرى. ووفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، يعالج الطاقم الطبي في مستشفى النو يوميًا ما معدله 34 مريضًا يعانون من إصابات عنيفة و77 مريضًا يعانون من حالات طبية أخرى. وهو يعد آخر المرافق الصحية العاملة في أم درمان. وفي هذا الصدد، سبق أن قال منسق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في السودان، فراوك أوسيج: "يواجه الناس مآسي لا ترحم جراء هذا العنف الذي لا يوصف. قلوبنا تنفطر ونحن نرى المستضعفين والأبرياء مدمرين بفعل هذا النزاع". وفي سياق متصل، كشفت غرفة طوارئ جبل أولياء أقصى جنوبالخرطوم، تعرض أحياء المنطقة وسوقها لقصف عشوائي على مدى الثلاثة أيام الماضية من قبل الدعم السريع، ما خلف عدداً كبيراً من القتلى والإصابات. وأوضحت الغرفة أن القصف طال كذلك مستشفى جبل أولياء، وتضرر قسم الكلى والمعمل، وتوفي اثنان داخل المستشفى، مما أدى إلى إغلاقها وتحويل المرضى للمستشفى العسكري، لافتاً في الوقت نفسه إلى إغلاق بعض الصيدليات جراء القصف. ومؤخراً، أصبحت أحياء جبل أولياء مأوى وملاذاً للفارين من ويلات الحرب في عدة مناطق في الخرطوم، ومحطة رئيسية للمغادرة نحو ولايات السودان الأخرى، مما جعلها مكتظة بالنازحين والمواطنين. وتضم المنطقة معسكراً تابعاً للجيش يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل الأبيض قبالة خزان "جبل أولياء"، بالإضافة إلى قاعدة ود النجومي الجوية، فضلاً عن أنها تعتبر منطقة استراتيجية والبوابة الجنوبية للعاصمة الخرطوم. وتفيد المتابعات أن الاشتباكات مازالت متواصلة في عدة مناطق بالخرطوم التي تعيش بالتوازي انقطاعاً تاماً للتيار الكهربائي في شرق وجنوب الولاية لليوم الخامس على التوالي، بالإضافة إلى توقف خدمة بعض شركات الاتصالات، ما تسبب في شح وتضارب المعلومات في تلك المنطقة مع صعوبة التواصل بين الأسر. وفي غضون ذلك، تجددت الاشتباكات أمس، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان. وقال مواطنون إن القذائف تتساقط في المدنية، الأمر الذي بث الرعب والخوف في نفوس المواطنين، فضلاً عن نزوح عدد كبير من سكان الأحياء الغربية إلى الأحياء الشمالية بمدينة الأبيض. وأفاد المدير الطبي لمستشفى الأبيض التعليمي د. إسراء دفع الله، في تصريحات صحافية، أن الاشتباكات، الأحد، أسفرت عن مقتل 6 مدنيين وإصابة 54 شخصاً، من ضمنهم 27 مدنياً استقبلهم مستشفى الأبيض التعليمي، و12 عسكرياً في مستشفى الشرطة و15 شخصاً بمستشفى الأبيض الدولي "الضمان". وأكدت استمرار تساقط القذائف لليوم الثاني على التوالي في المدينة، وأن والمستشفى باشر استقبال المصابين. وتشهد مدينة الأبيض منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل/نيسان، معارك ضارية بين طرفي النزاع المسلح تركزت جلها في الأحياء الغربية، في حين تساقطت القذائف العشوائية على مناطق أخرى بالمدينة وخلفت عشرات القتلى والمصابين. وفي السياق، أعلنت قوات الدعم السريع إسقاط طائرة حربية من طراز "أنتونوف" بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، قالت إن الطائرة كانت تقصف المدنيين وترمي فوق رؤوسهم البراميل المتفجرة والقنابل المحرم استخدامها. منذ أيام يحتدم القتال في مدينة نيالا، وأعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، تصدي قواتهم لهجوم ضخم قامت به "الدعم" وكبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. أما في ولاية جنوب كردفان، فشهدت مدينة الدلنج ثاني أكبر مدن الولاية، اشتباكات بين الجيش والحركة الشعبية بقيادة الحلو، وأفادت وسائل إعلام محلية أن المنطقة شهدت حركة نزوح كبير للمواطنين من الأحياء إلى وسط المدنية جراء تساقط القذائف المدفعية. في الموازاة، أدان تجمع العاملين بقطاع النفط تواصل الاعتداءات التي تقوم بها الدعم السريع والتي قال إنها طالت هذه المرة محطة الضخ الرابعة بي إس-4 التابعة لشركة بابكو بمنطقة العيلفون. ويذكر أن المحطة النفطية تعمل على تصدير نفط جنوب السودان عبر ميناء بشائر 2 شرقي البلاد، وأكد التجمع أن قوات "الدعم" اقتحمت المحطة وأوقفت العمل بها. وبين التجمع أن قوات حميدتي قامت بإجبار العاملين على إخلاء المحطة واعتقال اثنين منهم، ولاحقاً أطلقت سراح أحدهم بعد دفع فدية مالية، بينما مازال العامل الثاني محتجزاً داخل المحطة. والأيام الماضية، استباحت "الدعم" منطقة العليفون جنوبي شرق العاصمة، وأطلقت لجان المقاومة نداء استغاثة لإنقاذ الأهالي. وبعد ثلاثة أيام من هجوم الدعم السريع على "العيلفون"، لم يعد هناك فعل شنيع لم يرتكب، إذ مارست أسوأ أنواع القتل والتعذيب والترهيب والاستفزاز والإذلال لسكان المنطقة، وفق ما قالت لجان المقاومة المنطقة. ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، انزلق السودان في دوامة حرب مدمرة عقب خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع في قضايا الدمج والإصلاح العسكري واتهامات كل طرف للآخر بمحاولة الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، وسط أزمة إنسانية بالغة التعقيد خلفتها الاشتباكات العسكرية المتواصلة.