عبدالرحمن صالح احمد (أبو عفيف) التفاوض الفعال بالضرورة أن يكون منتجاً لسلام دائم أو على الاقل اتفاق مرضي لأطراف الصراع, لكن هناك في منبر جدة طرفٌ ينتحل شخصية الجيش القومي, و لا يريد أن يصل إلى اتفاق يوقف الحرب, و هذا هو ديدن الاسلاميين مع خصومهم . ولإثبات ذلك هناك عديد من الشواهد في تاريخ التنظيم الإسلامي تؤكد هذه الفرضية. إذا قمنا بتحليل عقلية الاسلاميين و تاريخهم في العمليات التفاوضية المتكررة التي أجريت في السودان مع العديد من الحركات المسلحة , نجد أنّ السلام لم يكن من الاهداف الاستراتيجية لدي الاسلاميين, بالتالي كل عملياتهم التفاوضية و أجندتهم سرعان ما تتحول الى عناصر مساعدة لاشعال الحرب. في هذا المقال وددتُ أن أسرد بعض الأمثلة و النماذج التي تستعرض مفهوم السلام الدائم في تصورات الاسلاميين. كمثال مفتاحي لموضوع هذا المقال: كانت أوّل جولة مفاوضات تخوضها حكومة الحركة الإسلامية في أغسطس1989 مع الحركة الشعبية في أديس أبابا, ترأسها العقيد ركن محمد الامين الخليفة و ثمانية أعضاء, (ركز كلهم عساكر), من بينهم العميد بابكر نصار, و ترأس وفد الحركة الشعبية د/ لام اكول و ضم عشرة اخرين (جلهم خبراء) من بينهم د/ منصور خالد, نلاحظ أنّ طرفا التفاوض يتكون من مجموعتين غير متجانستين, مجموعة من العساكر مقدرتهم المهنية تمكن في ادارة الحروب و هي وفد الحكومة . امّا المجموعة الثانية تتكون من خبراء و أكاديميين شغلوا وظائف عالمية و لهم اسهامات عديدة في ضروب الحياة. و من المفارقات المثير للدهشة أنّ الحكومة وُضعت لوفد التفاوض شروط مسبقة لا يمكن تجاوزها, من بين هذه الشروط: عدم إعطاء حركة التمرد أكثر من حجمها الطبيعي, و أن يتم التعامل مع وفد الحركة الشعبية بإعتباره شريحة من قبيلة الدينكا, و جدير بالذكر بعد كل هذا, أن الحكومة أكدّت مراراً و تكراراً أنّ من أولوياتها الاستراتيجية تحقيق السلام في السودان كأساس للتنمية, فماذا نتوقع من مثل هذه المفاوضات غير الفشل؟ و نحن نعلم علم اليقين أنّ وفد الحكومة يحمل أدوات الفشل ضمن أجندته التفاوضية. في هذا المثال يتضح من خلال دلالات النص (الشروط المسبقة للتفاوض) كيف أن الوعي التصوري لهؤلاء الجماعة يمكن أن يختزل المؤسسة الرسمية في نفق الأثنية (دينكا) و ثم يختزل القيمة البشرية للدينكا إلى مستوى دون العادي. هذا المثال يمكن أن يكون نموذج إطاري و مرجعي لتحليل عقلية الاخوان التي تستوعب بها الاخر و لغويات التفاوض التي تتبناها الجماعة.