الطيب النقر بعض الشباب نفض يده من كل أمل في نيل تلك البغية التي أضحت شبه قاصرة على أهل المخمل والديباج ، فحياته التي تظل موسومة بالعجز ، موصومة بالفاقة، تجعل مجرد التفكير في مثل هذا الأمر أدخل في باب الخطل ، وأوغل في طريق الفدامة، الأمر الذي أوقع الفزع في جيش الفضيلة التي لا يحتاج شرح معاناتها إلى درس ، والنبوغ في وصف انحدارها إلى ملكة ، فقبيلة الشباب الملتزم تقاسي معرة الظلم ، وتكابد مذلة الحرمان ، وتعيش بقلب خفاق ، وعين باكية ، لأنها معوزة في دنيا المحبة ، محرومة في دولة الصبابة. ولعل الواقع الذي لا تسومه مبالغة ، أن فتية الصلاح الذين تلوح في وجوههم البهية غلواء الشباب وفي أجسامهم الجزلة بضاضة العافية ، استكانوا للجزع ، واستسلموا للشجون ، فصاحبة الخد الأحمر ، والجبين الأنضر التي يشتد إعجابه بها ، وتهالكه عليها ، كل يوم تبزغ فيه المهاة ، ترمقه دوماً بنظرات تضج بالنفور والإشفاق ، وهو الذي كان ينتظر منها أن تسري عنه هموم النفس ، وتهون عليه متاعب الحياة ، لقد صارت عنده من ألقى الله عليها المحبة ، واصطفاها بأسر المهج وخطف العقول ، مبعثاً للألم ومصدراً للشكوى ، فصنوف اللوعة ، وفنون الكرب ، التي أتحفته بها جعلت روحه التي ذوت على وهج القروح ، وذابت حشاشتها على عرك الصدود ، تمور في حنايا الحزن المقيم ، وتضطرب في فيافي الأسى الشاسع ، فصرعى الفاقة ، وطرائد الملق ، الذين شحب وضؤل محياهم ، لا حظّ لهم في الاقتران بالمهفهفة الدعجاء ، فالخريدة التي جُمِعتَ لها الرقة من أطرافها ، والتي تضئ كما يضئ الفجر ، وتزخر بالجمال كما يزخر اليم اللجي بالأصداف ، لا تأنس إلا للغني الذي يكثر لها من الأعطية ، ويجزل لها من الهبات ، ويسنى لها من الصلات. والمعضلة التي لا يستقصيها التفسير، ولا يعرب عنها التعبير ، أنّ بعض الأسر التي تنشد الجاه ، وتبتغي المادة ، تقف عقبة كؤوداً دون وصول الشاب الذي يبتغي الستر والعفاف ، ويعيش بالقناعة والكفاف إلى مبتغاه وتلقي في روع من أكدى الله عليه نواله ، أنه رام أمراً عزيز المنال ، وعر المرتقى ، منيع الدرك ، وتبرهن بجلاء أن الهدي النبوي الذي أمرنا بتزويج من ارتضينا عقيدته وأخلاقه ، قد صار تاريخاً تطرق إليه النسيان ، وديناً تغول عليه الباطل ، فتلك الأسر لا تكترث لمن لا ظنة في تقاه وورعه ولا ريبة في حلو شمائله وحسن سجاياه ، بقدر ما تأبه لسليل مجد ، وربيب نعمة ، وحليف جاه ، حتى ولو كان فتى كهاماً ، عيياً ، لا خير فيه ، والغادة الهيفاء التي يتكلف نواطير الشباب في مخاطبتها القول ، ويتعاطوا الصنعة ، عافت من يحصد ماله بالكد والمجاهدة ، لأنه يعجز أن يودعها منزلاً تراصت في باحاته رايات الأشجار ، وامتدت في عرصاته سلاسل الأنهار ، بل يعجز حتى أن تزف إليه في صالة فسيحة الأركان ، متينة البنيان. لقد أصبنا في زماننا هذا باختلال الموازين ، فمن يخاتل الدنايا ، ويقارف العيوب ، يتهافت الناس على تزويجه من حرائرهم لثروته وغناه ، أما الصائم نهاره ، القائم ليله ، فلا مناص له سوى صيام الدهر. [email protected]