يا شعبًا تعامى يا هذا الغلام تفجّ الدنيا ياما وتدخل في زحاما يا طيش الأنام يا كل الظلام رحم الله شاعر الشعب محجوب شريف، حينما غنَّى لهذا الشعب، الذي – للأسف- لم يعد "شعبا تسامى"، ولم يعد "هذا الهمام"، ولم يعد "بدر التمام"، لو رأى شاعرنا مقطع الفيديو الذي يحتوي على هذا المشهد المقزز القبيح فما عساه أن يقول؟! ليسمح لي شاعر الشعب؛ لأنني حرَّفتُ نشيده، وقلته بالصيغة التي تليق بشعب هذه الأيام. كتبت من قبل مقالا بعنوان " السوداني ذلك الكائن العجيب" – نُشر هنا في الراكوبة -بيَّنت فيه عيوبنا التي نعمل جاهدين على عدم الحديث عنها، وعدم الاعتراف بها، في حين ننشر بطولات زائفة، ووضحتُ أننا لا نساوي شيئا مقارنة بالشعوب التي نحتقرها، ويكفي أننا لم نستطع بناء دولة بعد قرابة سبعين سنة من الاستقلال، وأننا شعب يدمِّر، في حين الشعوب تعمِّر، فعبَّر المقال عمَّا في نفوس المخلصين، واستنكره بعضهم، وهاجموني، وأقاموا عليَّ الدنيا ولم يُقعدوها، في حين سرق بعضهم المقال ونشره مع حذف اسمي. نطالب بالبند السابع في غبيرا pic.twitter.com/PcNYCPKT4i — BASHRI (@ibashri) May 12, 2024 مَن تابع المقطع الذي تدافع فيه عشرات بل مئات السودانيين المغتربين في الرياض في "حي غبيرة" الذي يُعَد بقعة سودانية في قلب العاصمة السعودية، تدافعوا خلف فتاة، لأول مرة أراها، وإن كان اسمها طرق أذني- في بعض المواقع من قبل- سهوا يستوجب تنظيف الأذن والاستغفار والتوبة. كل الأعمار هرولوا خلفها، شيبا وشبابا، أطفالا وكبارا، وهنا أستعير عبارة صديقي الدكتور سعد عبدالقادر العاقب تعليقا على هؤلاء حين قال عن أصناف المتدافعين خلفها: ( مِن الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء إلى غير أولي الإربة من الرجال) كل هؤلاء لهثوا وراء تلك الفتاة، التي لا أعرف أهي مغنية أم ممثلة أم ماذا، بعضهم بزيه القومي، وبعضهم بملابس رياضية وبعضهم بغير ذلك، يتدافعون للحاق بها، ونيل القرب منها والالتصاق بها، وأخذ" السيلفي " معها، في حين يحميها، ويمنع التصاقهم بها ذلك الرجل مفتول العضلات. مشهد مقزز، محا – بجدارة – تلك الصورة الناصعة التي رسمها لنا الناس بأننا مثال للنزاهة، ونموذج للمروءة، ورمز للأمانة… فأصبحنا -بذلك- نتصف بخلاعة في السلوك، وسوء في المظهر، ونتن في المخبر ، ومن تابع أخبار بعض السودانيين في ديار الغربة في الخليج يدرك ذلك، وفي مصر؛ حيث كشفت تلك الحرب ما كان خافيا من خلق دنيء؛ حيث أضرّ السوداني في مصر بالسوداني وبالمصري أيضا، ومَن ذهب لإرتريا اضطرارا لعمل إجراءات سفر للخليج يعرف أن الإرتريين كانوا يتعاملون بنزاهة وأمانة؛ حيث لا رشوة ولا محسوبية، وما أن دخل السودانيون في هذه الأعمال حتى أفسدوها. نعود لمشهد تلك الفتاة وهؤلاء المتدافعين، ذلك المشهد الذي أثبت تماما أننا لم نعد كما كنا، ولا كما كان يرانا غيرنا، وأننا لا نستحق احتراما ولا تقديرا، بل نستحق ما حدث لنا من حروب، وما حاق بنا من نكبات، وما حلّ بنا من أزمات، فمثل هذه التصرفات يعمُّ شرها على الجميع، ويُضرّ وبالها بالبلاد والعباد. ذلك المشهد أكد أنّ الكبير لم يستحِ، وأنّ الصغير لم يُربَّ، وأنّ الشاب لم يتعظ، نسوا وطنهم الجريح، وتناسوا أهلهم المشردين، وغفلوا عن أن هذا المقطع سيصل لذويهم، فإنْ لم تخف ربك، ولم ترع مروءتك، ولم تعمل بحسن الخلق، فلتنتبه أيها الكبير لمشاعر أبنائك وزوجتك حين يرون هذا المقطع، ويشاهدون لهثك خلف تلك الفتاة، وماذا يقول الشاب حين يعلم أن أباه وأمه رأوه ملتصقا بتلك الفتاة ليأخذ صورة معها، نسوا كل ذلك، وتذكروا شيئا واحدا هو أن "يبحلقوا" في تقاسيم جسد تلك الفتاة، ويلتقطوا معها الصور. يا أمة ضحكة من جهلها الأمم أدركُ تماما أن بعض القراء سيقول لي أنك عممت على جميع الشعب، وهؤلاء فئة قليلة، نعم، ولكنها فئة لا يستهان بها، فالمغترب يمثل وطنه في ملبسه وعمله وسلوكه وخلقه، والمغترب حملَ همَّ وطنه وأهله سنين طويلة، وأسهم -وما زال يسهم- في دعم أهله ومعارفه وأصدقائه، فلا يليق به أن يفعل ما يشينه، أو أن يعمل ما يعيبه، ناهيك عن وازع الدين، ورادع المروءة. طارق يسن الطاهر [email protected]