قال محللون ان تصويت التونسيين لحزب النهضة الاسلامي وللاسلاميين عموما في البلدان العربية، هو رد فعل مجتمعي على تهديدات داخلية وخارجية مشيرين مع ذلك الى خصوصية في تونس حيث "تتونس" الاسلاميون على ما يبدو بدل ان "يؤسلموا" المجتمع. ولاحظ الاستاذ الجامعي العربي شويخة انه "حيثما نظمت وتنظم انتخابات حرة في البلاد العربية، يفوز الاسلاميون" وذلك قبل "الربيع العربي" وبعده. وهو يشير بذلك الى فوز اسلاميي جبهة الانقاذ في الجزائر (1992) واسلاميي حماس بالانتخابات الفلسطينية (1996) والنهضة في انتخابات 23 تشرين الاول/اكتوبر الماضي بتونس. وتوقع ان يفوزوا ايضا بالانتخابات التشريعية في مصر. واكد شويخة انه "لا يمكن لديموقراطي ان يرفض الديموقراطية بسبب فوز الاسلاميين" مشيرا الى ان فوزهم ناجم عن "تصويت عقابي". واوضح ان "الناخب العربي يصوت للاسلاميين عقابا للانظمة وسياساتها لانه يرى فيهم الجهة الاكثر تشددا في مواجهة الانظمة خصوصا مع القمع الذي تعرضوا اليه". من جهته راى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي ان الربيع العربي يمثل فاصلا بين عهدين اذ رغم بعض اللحظات الديموقراطية الاستثنائية العابرة "فان المنطقة قبل الربيع العربي لم تكن تعيش حياة سياسية طبيعية. الامر كان موكلا في البلدان العربية لانظمة غير منتخبة وتمارس اقصى درجات الاقصاء والعنف ضد خصومها". واشار الجورشي بدوره الى ان "فوز الاسلاميين يعود الى كونهم كانوا ضحايا العنف ولديهم عمق جماهيري لا تتمتع به الاحزاب الاخرى خصوصا العلمانية منها". وفي الاتجاه ذاته اعتبر المحلل المتخصص في علم الاجتماع سالم لبيض ان الاسلاميين "نجحوا، بخلاف غيرهم من القوى المنطلقة من مرجعية الهوية العربية الاسلامية في احتكار الفضاء الثقافي المعبر عن الشعب (المسجد، العمل الاجتماعي ..) واستفادوا من استفزاز الهوية". غير ان الجورشي اشار ايضا الى "شعور بالخوف لدى قطاعات واسعة في تونس وغيرها من البلاد العربية وبتهديد لهويتها العربية الاسلامية ليس من الداخل وانما من الخارج من خلال ما استقر في الاذهان بشان مخططات استعمارية وغزو ثقافي" مصدره الغرب تحديدا. واضاف ان "عنصر الهوية جعل عددا كبيرا من الناخبين يصوت للاسلاميين، ليس لانهم وحدهم من يدافع عن الهوية بل لانهم تعرضوا لقمع الانظمة واستفادوا اكثر من غيرهم بسبب حسن انتشارهم وتنظيمهم". وفي السياق ذاته اشار لبيض الى استفادة النهضة من بث قناة خاصة تونسية فيلما في اوج الحملة الانتخابية اعتبر مستفزا للمقدسات لاحتوائه لقطة تجسيد للذات الالهية. على ان الجورشي اشار الى سبب آخر مهم في صعود الاسلاميين في تونس تمثل في انهم "تتونسوا" اي عدلوا برامجهم لتتلاءم مع خصوصيات المجتمع التونسي. وقال في هذا الصدد ان "حزب النهضة اليوم غير الاتجاه الاسلامي في السبعينات، لقد غير جزء منهم على الاقل، خطابهم السياسي وعدلوا مشاريعهم واصبحوا مع الدولة المدنية والحريات وحرية المراة". واوضح ان "ما حصل في تونس هو ان الحركة الاسلامية لدى ولادتها كانت تريد اسلمة المجتمع. لكن بعد 30 سنة تونس المجتمع التونسي هذه الحركة وتغيرت المعادلة". واكد ان "خصوصيات المجتمع تتغلب دائما على الايديولوجيا" داعيا مع ذلك قوى المجتمع المدني واحزاب المعارضة الى "الحيلولة دون احتكار الاسلاميين اجهزة الدولة". وكان حمادي الجبالي الامين العام لحزب النهضة قال في حوار في آب/اغسطس الماضي "نحن تتونسنا، وبعض التونسيين تخونج (اصبح من الاخوان)". واكد ان النهضة "حركة معتدلة وسطية في تونس. نريد مجتمعا وسطيا، الكل يجتمع في الوسطية وهي ليست ضعفا اذ ان اقوى نقطة في العصا تقع في نصفها، الوسطية حماية للحركة وللبلاد". واضاف "ابدا لم نرفع شعار جاهلية المجتمع (..) نحن نؤمن ان الشعب يدافع عن هويته اكثر منا، نحن لسنا اساتذة لشعبنا بل نتعلم منه". وفاز حزب النهضة الاسلامي بتسعين مقعدا في المجلس الوطني التاسيسي (217 مقعدا) اثر اول انتخابات حرة في تاريخ تونس وهو يقود المشاورات الجارية مع باقي الاحزاب للاتفاق على ضوابط ومناصب المرحلة الانتقالية الثانية منذ الاطاحة بنظام بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011. وتصاعدت مخاوف في الكثير من العواصمالغربية اشارت اليها خصوصا بعض الصحف الاسرائيلية التي قالت بعد فوز النهضة في تونس ان "الربيع العربي" بدا يتحول الى "شتاء اسلامي". غير ان سالم لبيض اكد ان "الوضع سيختلف في الانتخابات القادمة في تونس حيث سيمحو وجود الاسلاميين في السلطة خلال المرحلة الانتقالية صورة كونهم الضحية من اذهان الناس، كما ان باقي القوى السياسية التي بوغتت بتسارع الاحداث وامضت عقودا في العمل السري ستكون جاهزة اكثر للموعد الانتخابي".