حتى أصحاب الخدمات العاجلة يمكنهم قضاء ساعات لتناول وجبة الفطور.. تغيب الحافلات ويغلق صاحب الدكان دكانه للفطور وأحيانا للقيلولة.. لا أحد يأبه للزمن، لقد تدنت الخدمة العامة كثيرا وتدنى السلوك وتهاوت أركان دواوين العمل، والمواطن يدفع الثمن، ويتم هدر الزمن بصورة تقودنا إلى المجتمعات البدائية.. (الأخبار) تجولت صباح أمس في قلب الخرطوم وخرجت بهذه الحصيلة. ميني تحقيق: صديقة بخيت _تصوير حسن أفندي جولة الفطور مدير وكالة الرونق للسفر والسياحة بابكر زين يقول: تغيب الموظفين عن العمل لساعات طويلة بحجة الإفطار من الثقافات التي اعتاد عليها الشعب السوداني وبعض الموظفين من دول العالم الثالث، المشكلة لا تتوقف عند هدر الوقت فقط إنما أهمية المعاملات التي تتعطل جراء ذلك التغيب، والغريب في الأمر أن جميع الموظفين يخرجون في وقت واحد؛ لذلك عندما يحضر أي مواطن لقضاء معاملة لا يجد موظفا، وبذلك يضطر للانتظار ويهدر وقتا كان يمكن أن يكتسب إذا وظف بالشكل الصحيح، ويضيف يس الفاضل موظف بالهيئة العامة بجمعية الهلال الأحمر استراحة الفطور وتماطل الموظفين بعد الإفطار بشرب الشاي والقهوة والسجاير والونسة من المسلمات التي أصبحت شبه قانونية. فاليوم نجد أن كل الموظفين سواء كانوا داخل مؤسسات حكومية أو خاصة أو يعملون أعمالا خاصة يتعاملون بنفس الطريقة. فمنذ الساعة العاشرة تجد الكل يتهيأ لجولة الإفطار التي لا تخضع لزمن محدد وأحيانا حتى وقت الصلاة . شلليات... أما هنادي مصطفى، فتجد أن استراحة الإفطار من الأوقات المقدسة جدا التي لا تقبل التنازل لديها وبعض زميلتها مضيفا من الطبيعي أخذ استراحة للإفطار لكن المشكلة في الزمن المستقل غالبا ما نتأخر ساعة؛ لأن العمل في المكاتب الحكومية لا يتحمل التأخير، لكن أغلبية الموظفين بعد الإفطار الذي يبدأ من الساعة الحادية عشرة لا يداومون مرة أخرى إلا بعد صلاة الظهر، وتضيف هبة آدم (طبيبة بيطرية) رغم أننا نعمل لساعات طويلة إلا أن استراحة الفطور تأخذ الوقت الأكبر، وذلك يرجع إلى نظام (الشلليات) المتعامل به في أماكن العمل. مشكلة أفراد مجتمعنا أنهم حتى الآن ليس لديهم القدرة علي التفريق بين ساعات العمل والساعات الخاصة، بالإضافة إلى ذلك نجد أن المديرين ورؤساء الأقسام يتعاملون بنفس الأسلوب وهذا ما جعل الوضع يتفاقم. عشرة ونسة..!! ويضيف الإعلامي سعيد محمد المشكلة لا تتلخص في ساعة الإفطار إنما في الساعة التي تليها والتي تعتبر مهمة جدا للموظفين. فالجلوس بالقرب من ست الشاي من الأمور المهمة جدا بالنسبة لأي موظف، فلابد من (عشرة ونسة) مع كوب شاي أو قهوة، وبعد ذلك السيجارة، بالإضافة إلى ذلك هناك عادة لدي كثير من الموظفين وهي (تلفون ما بعد الفطور) سواء أن كان لصديق أو حبيب أو زميل المهم لابد من ذلك الاتصال، وبعد تلك الاستراحة للإفطار تأتي استراحة الصلاة والتسبيح كل تلك أوقات مهدور لذلك لابد من تنظيم العلاقات في العمل وتحديد أوقات الاستراحات للموظفين داخل المؤسسات الحكومية والخاصة لاستفادة من تلك الأوقات، المواطن السوداني يحتاج إلى قوانين حاسمة حتى يحترم المواعيد؛ لأن الاستهتار بالوقت من الثقافات التي تربي عليها لذلك أصبح من الطبيعي سرقة الوقت لدى الموظفين. آراء المواطنين الخير عبد الستار يقول : من الضروري أن تكون هناك آليات للمحاسبة داخل أي مؤسسة حتى وان كان لا ينص عليها القانون لاستثمار الوقت بطريقة مفيدة وقضاء مصالح الناس، فاليوم احدي الأمور التي أصبح يتعامل بها هي (الواسطة)؛ لأن الوقت الذي يضيعه الموظف في الونسة وشرب الشاي كان من الممكن ينجز فيه مجموعة من المعاملات لكن نسبة لضياع الوقت نجد مبدأ المحسوبية هو المتداول في أماكن العمل أوقات الصباح يتم إتمام (حاجات الحبايب) وبعد الحادية عشرة يبدأ التعامل بمبدأ (امشي وتعال بكرة) .. من جهتها قالت المواطنة منى حسيب: إذا أردت أن تتم أمورك عليك المرابطة من السابعة صباحا، وإذا كانت لديك (واسطة) يذهب على راحته، والسبب في ذلك أن الكثير من موظفي الدوائر يهيئون أنفسهم لإفطار من التاسعة وبعد الساعة الحادية عشرة أو الحادية عشرة والنصف يبدأ في التهيؤ للصلاة، ويستمر في أداء صلاته حتى بعد الواحدة ظهراً، وتشير إلى أن بعض الموظفين لا يعودون بعد انتهاء الصلاة بل يستمرون في الأحاديث الجانبية أو التعبير عن التعب أو يتوجهون إلى اقرب كافتيريا لتناول طعام الغداء بعد قضائهم ساعة في تناول طعام الإفطار، مؤكدة بعض الموظفين لا يعودون إلى أماكن عملهم أصلا لان مدير الدائرة إما خارج الدائرة وإما أنه يصلي مثلهم وإما لا يستطيع البت في هذا الأمر.. إلا انه يستدرك ليس كل الموظفين على هذه الحال، فهناك موظفون يصلون ويعودون سريعا لأداء عملهم ولكن أغلب هؤلاء لا ينجزون المعاملات بغياب الآخرين. تدني السلوك الاجتماعي من جهة قال ل(الأخبار)خبير في مجال الخبرة العامة والإدارة علي صديق بان السنوات الماضية قد شهدت حوارا متصلا حول إصلاح الخدمة المدنية في جانبي الحقوق والواجبات ومدى تطبيق معاير ضبط الجودة في الأداء الإداري بما يحقق الاستفادة القصوى للإطراف المستفيدة إذا كانت الدولة أو المواطن أو العاملين وربما يتحدث الذين شهدوا الفترات الماضية في ستينيات القرن الماضي أنهم يتحدثون عن مستوي متقدم في مجال الانضباط في الخدمة بسب وضوح الهيكلة الإدارية وتراكم الخبرات الإدارية، بالإضافة إلى ما يعرف بالاكتفاء المهني والرضي بالحقوق، وبالتالي يقابلها تنفيذ الواجبات.. ومن السهل جدا في موضع إهدار الوقت في وجبة الفطور أو غيره من خلال المديرين المباشرين بحسب لوائح العمل، ولكن السؤال تلحظون الآن مثل هذه اللوائح في المؤسسات وهي غائبة وان التدني في السلوك الاجتماعي الآن يتم تطبقيه بوضوح في العمل الآن، ومن المسموع ما يعرف ب(الميري) الذي يشير إلى الحكومة وهذا الميري يتم العمل معه بعداوة ويمكنك أن (تزوق) من العمل، ويمكنك أن تحطم سيادة الحكومة وأن تسئ استعمال الأدوات المكتبية فقط لأنها حكومية، ولا يهم بالرغم من أننا لو تأملنا قليلا لوجدنا هذه الممتلكات والمال ملكك أنت وملك عام، لابد من وقفة حاسمة أمام هذا التردي المريع وانسحب بدوره على القطاع الخاص حتى أصحاب الحافلات ودكاكين الحي يمكنهما أن تسهم في إهدار الزمن وتضيعه وتقتله، كل ذلك على حساب المواطن الذي يبحث عن الخدمة العامة.