مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك: كباشي أطلع الرئيس سلفا كير ميارديت على استعداد الحكومة لتوقيع وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية    مدير الإدارة العامة للمرور يوجه باستمرار تفويج البصات السفرية يومياً للحد من الحوادث المرورية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'عليك فقط ان تلتقط الصور وعليّ انا توفير الحرب': زواج الإعلام من الديكتاتورية
نشر في الراكوبة يوم 04 - 02 - 2012

بعد رحيل عام 2011 الذي فاجأنا بنهضة المارد العربي من سباته وما رافق هذه الصحوة من ثورات شعبية كانت بمثابة توابع زلزالية لثورة تونس. وجدنا أنفسنا في مواجهة سؤال في غاية الأهمية. كيف استطاع الساسة الدكتاتوريون التحكم والسيطرة بحياة الملايين لأطول مدة حكم ممكنه، وما هي أداة الديكتاتورية الأكثر نجاعة في إيجاد طرق لإلهاء الشعب عن جرائم القادة بحق الشعوب.
ما كتب في هذا الموضوع يشير إلى أن أكثر تلك الوسائل نجاعة هي اختراع أعداء لكل جماعة لديها القابلية على رفع رأسها بالاعتراض، وتغذية هذه الجماعات بأوهام الكراهية والخوف من فريق آخر، ودسّ السم بالدسم من خلال الإعلام الفاسد والمفسد بجميع أشكاله، من المشافهة إلى استخدام أحدث تقنيات الاتصال.
أثبت الواقع ان قادة العرب تابعون'لأمريكا التي نجحت ببذر عداوات مفتعلة بين قطاعات الشعوب عن طريق القادة الذين يشبهون لعب الأراجوز الخشبية المتصلة بخيوط تحركها أصابع من الخارج. من نتائج تلعيّب هذه الدمى، انشغل المسيحي والمسلم ببعضهما البعض، والسنة والشيعة، والمثقفون بالمتثاقفين، والنساء بالرجال، وذوي اللحى بالحليقين، والمقيمون بالوافدين، والمسلمون أو المتأسلمون بمن يطلق عليهم وصف الليبراليين. وعندما عدموا الحيلة على تفريقنا طرائق وشعابا، شغلونا بهموم الفقر وضياع الكرامة، وصعود وهبوط أسعار الأساسيات مثل ثمن رغيف العيش، وثمن جرّة الغاز، وفاتورة الدواء والفساد المستشري على مستوى متواضع بين اللصوص الصغار، وشغلوا الناس بالفتاوى المتعلقة بتيسير الجنس للرجال تحت مظلات إسلامية التصميم عاهرة المحتوى.
إحدى أقدم خدع السياسة وأول أساليب التخطيط للسيطرة على الشعوب في التاريخ تعود إلى عهد الرومان. حيث كان الساسة يقومون باختراع الأعداء الذين يحتاجونهم لتحقيق أهدافهم. وكما هو متوقع، كان لا بد من تأمين مصادر المال لتحقيق تلك المآرب.
في عام 70 قبل الميلاد أراد رجل ثري طموح وسياسي صغير يدعى ماركوس ليسينيوس كراسوس أن يحكم روما. وحتى تتخيّلوا مدى دهاءه في التخطيط والتسييس، كان لكراسوس فضل اختراع وظيفة رجال المطافئ ومكافحة النيران وتوظيف رجال الإطفاء، لكن بأسلوب مغاير لما نعرفه عن مهمّة رجال الإطفاء في وقتنا الحالي إذ كان كراسوس يأمر عبيده فيهرعون إلى موقع المبنى الذي يحترق منتظرين إشارة منه، بينما كان يقوم هو بمساومة صاحب المبنى الذي تأكله النيران. فيعرض على صاحب المبنى بأن يشتريه منه على الفور مقابل ثمن زهيد جداً. إذا استجاب مالك المبنى وقبل ببيعه، كان كراسوس يأمر عبيده بإخماد الحريق فوراً. وإذا رفض صاحب المبنى عرض البيع، كان كراسوس يترك المبنى ليحترق عن آخره. وبهذه الطريقة أصبح من أكبر مالكي العقارات الخاصة في روما. واستخدم جزءاً من ثروته لمآربه السياسية وفتنه، عن طريق دعم يوليوس قيصر ضد سيسيرو ( شيشرون).
حينها، في عام 70 قبل الميلاد، لم تكن روما قد أصبحت جمهوريّة بعد. ممّا قيّد الحكّام من ناحية ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله. ولم يكن كراسوس مستعدّاً لقبول تطبيق الأحكام عليه والتدخل بسلطاته الخاصّة. فوضع خطّته مستغلاً ثورة العبيد التي قادها سبارتاكوس ليشيع الرعب في قلوب أهل روما.
كان قد هزم في الحرب، ولم تكن لديه النيّة بأن يتقدّم في زحفه للسيطرة على روما لأنّه كان يعرف أنّ هذه الحركة تعتبر انتحاراً. لذلك خطّط لجعل مجموعته تزهد بأي شيء له علاقة بالإمبراطورية الرومانيّة. فشرع لجمع ما يكفي من المال من أهالي القرى الإيطاليّة وأوهمهم بضرورة استئجار جيش من المرتزقة يستطيع من خلاله قيادتهم باتجاه الحريّة.
ولكن الإبحار بعيداً كان آخر ما أراده كراسوس لسبارتاكوس أن يقوم به، لأنّه كان بحاجة إليه كعدو مناسب يستخدمه لإثارة الرعب في روما من أجل مكاسبه السياسية الخاصة. لذلك قام كراسوس برشوة جيش المرتزقة ليبحروا تاركين وراءهم سبارتاكوس. بعدها عمل على قسم الرومان إلى فريقين بحيث لم يترك لسبارتاكوس خياراً سوى الزحف باتجاه روما. خيّم الرعب المرتقب من وصول زحف جيش المجالدين المخيف على الناس. لذلك سارعت روما بإعلان كراسوس قائداً لها حتى يتولى حمايتها، عندها قام كراسوس بالقضاء على جيش سبارتاكوس، وعزي الفضل ساعتها لبومبي، وانتخب كراسوس في العام التالي قنصلاً لروما. وبهذا الأسلوب من المراوغة استسلم الرومان، وبعد ذلك بمدّة وجيزة تكوّن أوّل حلف ثلاثي مكوّن من كراسوس، وبومبي، ويوليوس قيصر.
كذلك لعب سيسيرو، الخصم السياسي ليوليوس قيصر، على الرغم من إنجازاته الأدبية، نفس الحيل في حملته ضد يوليوس قيصر. مدّعياً أنّ روما وقعت ضحية 'للجناح اليميني المتطرّف' في مؤامرة من الداخل. ومن أجل أن يؤكّد سيسيرو للرومان مدى عدم أمن روما، قام باستئجار جماعة من العصابات لتقوم بإحداث أكبر فوضى ممكنة، والإخلال بالأمن، ثم قام بحملة وعد فيها بالقضاء على العنف الداخلي في حال انتخابه ومنحه سلطات عليا.
هنا نجد شيئا من المفارقة فيما يتعلق بتشابه سياسات سيسيرو بسياسات حسني مبارك. ويمكن عقد مقارنة بين عصابات سيسيرو وعصابات حزب مبارك الذين هاجموا الناس بالجمال والمدرعات، وأشعلوا النيران، وسرقوا ونهبوا وسبّبوا أقصى درجات الفوضى. بينما ألقى مبارك خطابين، واقفاً منتصب القامة، واعداً الشعب بأنّه يستطيع أن يقضي على موجة الإجرام التي يقوم بها المفسدون، وأنه يستطيع إنهاء عمليّات التخريب إذا مُنِحَ فرصة أخرى. وبمجرد خلعه أصبح فجأة ملازماً الفراش على ظهره، ولا يجلس أمام الناس في المحكمة كما يجلس في المستشفى الذي أودع فيه بدلاً من السجن عندما يتناول طعامه ويقضي حاجته.
قبل الرومان بحكم الأباطرة، كما قبل الألمان بهتلر، ليس لأنّهم أرادوا ذلك، ولكن لأنّه قام باختراع وهم الخطر الذي بدا وكأنّه لا مفرّ منه سوى باختياره قائداً لهم. كذلك الأمر استخدمت الحكومة الأمريكيّة أيضاً الخداع مراراً وتكراراً من أجل إيهام الشعوب بأنّه ليس لديهم خيار سوى القيام بما توجّههم إليه حكومتها. فاخترعت وهم صدام حسين وأسلحته البيولوجية الفتاكة التي ستقضي على الدول المجاورة في أقل من 45 دقيقة، واخترعت وهم جرائم الإسلاميين في أفغانستان وأنها ستغزو لتحرير النساء ومنح الضعفاء حقوقهم الإنسانية، كما اخترعت وهم أسلحة معمر القذافي والآن تحيك المكائد تحت بند التهديد الإيراني ومحاولات صناعة أسلحة نووية.
في نبشة صغيرة لملفات الصحافة الأمريكية عام 1898 نجد أن'جوزيف بوليتيزر' من خلال صحيفة 'نيويورك وورلد'، و'وليام راندولف هارت' من خلال 'صحيفة نيويورك جورنال' قاما بطرح موضوع تدخّل أمريكا في كوبا. وقيل أنّ هارت أرسل مصوّراً إلى كوبا ليقوم بتصوير الحرب المرتقبة مع أسبانيا، وعندما سأله المصوّر أي حرب تعني؟ قيل أن هارت أجابه: 'عليك فقط بالتقاط الصور، وأنا سأعمل على توفير الحرب'، كان هارت صادقاً فيما قال، حيث أنّ صحيفته قامت بنشر قصص وهمية عن أحداث رهيبة حصلت للشعب الكوبي، والتي اتضح فيما بعد أنّ معظمها كانت قصصاً مُختلقة ليس لها أي أساس من الصحّة.
وفي ليلة الخامس عشر من فبراير 1898، فجأة انفجرت السفن الأمريكية الراسية في ميناء هافانا والتي كانت ترسو هناك بحجة حماية مصالح أمريكية. عندها نصح الكابتن 'سيغزبي'، قائد الأسطول، بأنّه يجب عدم التسرع بالإعلان عن هجمة من قبل الأعداء حتى يتم الانتهاء من التحقيق الشامل عن أسباب هذه الانفجارات. اقتراحه هذا بالانتظار والتيقن من سبب التفجيرات أدت إلى توبيخه بشدة من قبل الصحافة، واتهم بأنه يرفض رؤية الأمور الواضحة وضوح الشمس. ونشرت الدوريّة الشهريّة 'الأتلانتيك مونثلي' وبكل وضوح أنّ الانفجار هو أي شيء سوى محاولة متعمّدة.
وتحت شعار ' تذكّروا الانفجار' دخل الأمريكيّون حرباً ضد أسبانيا، ومن خلالها قاموا باحتلال الفلبّين، وفي طريقهم قاموا بضم هاواي أيضاً.
في عام 1975 تبيّن من تقرير مفصّل قامت به لجنة برئاسة الأدميرال هيمان ريكوفر ومن خلال دراسة دقيقة للمعلومات والأرقام التي حصلوا عليها من فحص حطام عام 1911، تبين أنّه لم يكن هناك أي دليل على وجود سبب خارجي للانفجار. وأنّ سبب غرق السفينة كان نتيجة انفجار حاوية فحم موضوعة بشكل أحمق بجانب مخازن الذخيرة في السفينة. واتّضح أنّ تحذير الكابتن سيغزبي في عدم التسرّع في لوم الغير كان له ما يبرّره. لكن الرئيس فرانك روزفلت كان بحاجة إلى حرب. كان يريد حُمى حرب كبرى لتغطّي على أعراض ساعات النزع الأخيرة للاقتصاد الأمريكي المريض الذي يصارع من أجل العودة من فترة الركود الاقتصادي الكبير، وترميم التشويه الذي حصل له في نفس الوقت أثناء تغيير اتجاهه إلى طريق الشيوعيّة. أراد روزفلت أن يستفز ما يؤدي إلى إشعال حرب مع ألمانيا ليقوم بإلتصدي لهتلر، وبرغم الاستثارات العديدة'التي قامت بها القوات الأمريكية في المحيط الأطلسي، بقي الشعب الأمريكي معارضاً لأي نوع من الحروب، لكن روزفلت قام بانتهاك اتفاقاته، وأصدر أوامره بإغراق عدد من السفن الألمانيّة في المحيط الأطلسي. ورغم أن هتلر أبى أن يُستثار، إلا أن روزفلت كان بحاجة ماسّة إلى اختراع عدو.
لكن روزفلت أصرّ من خلال سياساته على أمر واضح. إن كان الشعب الأمريكي يرفض مهاجمة هذا العدو المفتعل بكامل إرادته، يجب القيام ببعض التكتيكات التي ستؤدي إلى هجوم على أمريكا لتبريرإشعال حرب جديدة، تماماً كما فعل ماركوس كراسوس عندما وجّه سبارتاكوس لمهاجمة روما.
فُتِحت الطريق إلى الحرب عندما وقّع اليابانيّون معاهدة الدفاع المشترك الثلاثيّة مع إيطاليا وألمانيا. وبما أنّ هتلر لم يكن ليعلن الحرب أبداً على الولايات المتحدة الأمريكيّة مهما استُثيِر، فإنّ طريقة الضغط على اليابان لفعل هذا كانت متوفّرة. وكانت'أولى الخطوات بفرض حصار على النفط والحديد المسلّح في اليابان، بحجّة الحروب اليابانيّة على الأراضي الآسيوية، ممّا دفع اليابان إلى الرد بالسيطرة على المناطق الغنيّة بالنفط والمعادن في إندونيسيا. وحيث أنّ القوى العسكريّة الأوروبيّة كانت قد أُرهقت بسبب الحروب في أوروبا، لذلك كانت الولايات المتّحدة الأمريكيّة هي القوة الوحيدة القادرة على إيقاف غزو مناطق الهند الشرقيّة التابعة لهولندا. وعن طريق تحريك جيوش المحيط الهاديء من سان دييجو إلى بيرل هاربر، قام روزفلت بهجمة سبقت الاحتلال على جيوش الانتداب كخطوة تسبق أي خطّة يابانيّة لتوسيع إمبراطوريّتها إلى ' المنطقة الجنوبيّة الغنيّة الموارد '. وبهذا ورّط روزفلت اليابان كما فعل كراسوس بسبارتاكوس تماماً. كان اليابان كانت بحاجة للنفط، وكان عليها أن تجتاح إندونيسيا من أجل الحصول عليه. وللقيام بهذا كان على اليابان أوّلاً أن تتخلص من خطر الجيوش الأمريكيّة القابعة في بيرل هاربر.
ولاستثارة واستفزاز الشعب الأمريكي إلى أقصى درجة، احتاج روزفلت إلى هجمة صريحة وواضحة تقوم بها اليابان بحيث تكون داميّة قدر الامكان. على أن تبدو كهجمة مباغتة وشبيهة بتلك التي قام بها اليابانيّون على الروس. ومنذ تلك اللحظة حتى لحظة الهجوم على بيرل هاربر بذل روزفلت ومعاونيه جهدهم إلى أقصى حد بأن لا يعلم قادة القوات في هاواي، الجنرال شورت والأدميرال كيميل بأي شيء عن موقع الجيوش اليابانيّة أو نواياها ليكونوا كبش الفداء لهذه الهجمة، (من الجدير بالذكر أنّ الكونغرس قام بعد سنوات طويلة بتبرئة كل من شورت وكيميل وإعادة رتبهم العسكريّة التي كانوا قد جرّدوا منها سابقاً). ولكن كما استنتج المجلس العسكري عندها، وكما أثبتت الوثائق التي أميط اللثام عن سرّيتها، ثبت أنّ واشنطن كانت تعلم مسبقاً عن الهجمة. وعرفت مسبقاً وبالضبط تحركات ومواقع الجيوش اليابانيّة.
كشف 'هال' وزير الدولة في التاسع والعشرين من نوفمبر عن رسالة من مراسل اليونايتد بريس 'جو ليب' التي حدّد فيها مكان وزمن الهجمة. وفي تقرير لصحيفة النيويورك تايمز في ملحقها الخاص ببيرل هاربر بتاريخ 12 - 8 - 1941 في الصفحة 13 جاء في التقرير أنّ مكان وزمن الهجمة كانا معلومين مسبقا.
إنّ ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من أنّ الجيوش اليابانيّة أخرست جميع اتصالاتها اللاسلكيّة في طريقها إلى هاواي كان محض افتراء، وبين العديد من الإثباتات الموجودة في ملفّات أرشيف الدولة رسالة لم تكن مشفّرة أرسلتها السفينة اليابانيّة 'شيريا' تقول: 'نحن في طريقنا إلى الموقع 30.00 شمالاً، 145.20 شرقاً ونتوقّع وصولنا إلى نقطة المهمّة في الثالث من ديسيمبر'.
كذلك أراد الرئيس 'ليندون جونسون' حرباً في فيتنام لمساعدة أصدقاءه الذين يمتلكون شركات أسلحة الدفاع ليستفيدوا من بعض الصفقات كما فعل 'بوش' في العراق. وأراد جونسون هذه الحرب ليجعل البنتاغون والمخابرات الأمريكيّة تعدل عن خطتها لمحاولة غزو كوبا، والأهم من كل هذا أنّه أراد تلك الحرب ليقنع الشعب الأمريكي بأنّه لم يكن يملك أي خيار آخر.
حملت عناوين الصحف الأمريكيّة في الخامس عشر من أغسطس 1964 عنواناً موحّداً وهو 'عودة الهجمات ضد الأمريكان من قبل مدمرات في المياه'الفيتنامية، وخصوصاً في خليج تونكين'. قالت القصة الرسمية أنّ قوارب طوربيدات فيتنام الشمالية قامت بهجوم 'غير مبرّر' على إحدى الدوريات الروتينيّة للقوارب الأمريكيّة. لكن في الحقيقة كانت هذه القوارب مُشاركة في تجمع قوي المخابرات الأمريكيّة، وكانت تقوم بالتنسيق مع قوات جنوب فيتنام والقوّات الجويّة بهجمات ضد أهداف في شمال فيتنام. وفي الحقيقة لم يكن هناك أي هجوم من قبل سفن طوربيديه ضد أي قوارب أمريكيّة.
أرسل الكابتن 'جون . جي . هيريك' رئيس قوة المهمّة العاملة في خليج تونكين، برقيّة لواشنطون العاصمة مفادها، أنّ التقرير لم يكن نتيجة لحماس زائد من قبل موظّف اللاسلكي الذي التقط الأصوات من خلال براغي قاربه الخاص فذعر. ومع هذا ومع علمهم بأنّهم قد قدّموا تقريراً خاطئاً، ظهر ليندون جونسون على شاشة التلفزيون الوطني في تلك الليلة معلناً عن بداية هجمات جويّة ضد شمال فيتنام 'كَرَد' على هجمة لم تحصل على الإطلاق.
كذلك الأمر أراد الرئيس جورج بوش حرباً على العراق، مثل كراسوس تماماً، ودوافع جورج بوش كانت الأموال وبالذات أموال النفط ، لأن فشل اتحاد الأوبيك بالسيطرة على تقييد إنتاج النفط في الشرق الأوسط أدّى إلى فيضان الأسواق بالنفط الذي ينبع من تحت الأراضي العراقيّة التي تجثم على ما يزيد على ثلث مخزون النفط في المنطقة بأسرها. لذلك أراد جورج'بوش اختراع حرب توقف تدفّق النفط ، للمحافظة على الأسعار وحماية أرباحها من الهبوط أكثر مما وصل إليه الأمر، ومثل روزفلت أراد بوش أن يقوم الطرف الثاني بالخطوة الأولى.
حاولت العراق منذ مدّة طويلة أن يكون لها منفذاً أكبر على الخليج العربي، وكانت تشعر بأنّها محصورة بشريحة ضيقة من الأرض على طول الحدود الشماليّة للكويت، ممّا وضع المصالح العراقيّة على مرمى إيران المعادية. فاستغل جورج بوش الذي كان يزوّد العراق بالأسلحة أثناء حربها مع إيران هذا الأمر، فأرسل خبراً من خلال 'إبريل غلاسبي' مفاده أنّ الولايات المتحدة لن تتدخّل فيما لو حاول صدّام حسين أن يضع يده على جزء أكبر من الأراضي الكويتية، فأوقع صدّام في الفخ فقام بالهجوم. وبالطبع لم يكن الأمريكان ليرسلوا أبناؤهم وبناتهم ليجازفوا بحياتهم من أجل حماية مُنتَج نفطي، لذلك قام جورج بوش بحياكة خدعة أخرى، مستخدماً مؤسّسة إعلامية متخصصة في العلاقات العامة، من النوع الذي أصبح ثريّاً على حساب أموال دافع الضرائب عن طريق فبركة القصص واختراع ووترويج الأكاذيب. هذه المؤسّسة قامت بتلفيق كذبة ظهرت فيها ابنة السفير الكويتي في الولايات المتحدة الأمريكيّة على شاشة التلفزيون، مُتظاهرة بأنّها مُمرّضة، وابتدعوا قصّة مرعبة تفيد بأنّ أفراد الجيش العراقي نهب الحاضنات في المستشفى الكويتي، مخلفين وراءهم الأطفال الخُدّج على الأرض الباردة ليموتوا. ولم يبذل الإعلام المتواطئ منذ البداية في هذه الفضيحة جهداً أو يتساءل على الأقل، لماذا لم تقم هذه الممرّضة بالتقاط الأطفال الخُدّج عن الأرض وأن تقوم بلفّهم ببطّانيّات أو القيام بأي شيء لإنقاذهم.
وبالتالي تأثر الشعب الأمريكي بقصة الحاضنات فدعم عمليّة عاصفة الصحراء التي لم تزح صدّام حسين من مكان سلطته، بل قامت بالاستيلاء على النفط الكويتي من الأسواق لمدّة تقارب السنتين، إلى جانب وضع القيود على صادرات العراق من النفط منذ ذلك الحين حتى تاريخ هذا اليوم.
بعد الانتصار الذي حقّقته الحكومة الأمريكيّة في حرب العراق ظهرت حرب أخرى في منطقة البوسنة الغنيّة بالمعادن، ومرّة أخرى استخدم الخداع للحصول على دعم الخطوط العسكريّة التي ستقوم بها الدولة.
قصة خداع أخرى تضمنت صورة ل'فكرات آليك' وهو ينظر من خلال سلك شائك. استخدمت تلك الصورة 'لإثبات''وجود معسكرات اعتقال عصرية كما ورد في العنوان الرئيسي للصحف الأمريكية 'بيلسين 92' . واستخدمت كل الوسائل وكل ما تعلّق بفظائع الحرب النازية من أجل التسويق اللازم لإشعال فكرة ضرورة إرسال المزيد من فرق الجيش الأمريكي لتحارب على أرض شعب آخر.
ولكن عندما ذهب الصحفيون الألمان إلى ترنوبولجي، موقع معسكر الاعتقال الجماعي المزعوم، لتصوير فيلم وثائقي، اكتشفوا أنّ الصورة كانت مزيّفة، والمخيّم في'ترنوبولجي لم يكن معسكراً للاعتقال وإنّما كان مركزاً للّاجئين، ولم يكن محاطاً بالأسلاك الشائكة. وبالفحص الدقيق للصورة الأصليّة تبيّن أنّ المصوّر كان قد قام بالتقاط الصورة من خلال جزء مقطوع من السياج المحيط بكوخ لحفظ العدد والأدوات. والمصوّر هو الذي كان في الداخل يقوم بتصوير اللاجئين الموجودين خارج السياج.
ومرّة أخرى تمّ خداع الشعب الأمريكي ليدعم قرارات لم يكن ليؤيّدها. وبينما بدأ العديد من الرؤساء الأمريكيين حروباً لأسباب شخصيّة عديدة، لكن لم يتخطّى أي منهم حدوده إلى درجة التطرّف التي وصل إليها بيل كلنتون عندما أمر بهجمة إطلاق الصواريخ على كل من السودان وأفغانستان، مدّعياً بأنّ لديه الدليل القاطع بأن الحليف السابق للولايات المتحدة في أفغانستان، أسامة بن لادن، كان يقوم بتصنيع أسلحة كيميائية إرهابيّة هناك. تزامنت حملة كلينتون على السودان وأفغانستان مع فترة توقعات التصريح العلني من قبل 'مونيكا لونيسكي' بعد شهادتها حول قضية تحرش كلينتون الجنسي بها.
في النهاية، كشف فحص صور مخلفات ما خلفته الهجمات على السودان وأفغانستان، بأنّه لا يوجد في أي من الأماكن أو المباني التي قصفت، مختبراً له علاقة بأي مواد لها علاقة بتصنيع أي نوع من الأسلحة. وثبت أنّ تأكيدات المخابرات الأمريكيّة بأنهم حصلوا على نتيجة فحص تربة إيجابيّة لأسلحة بيولوجيّة سقطت على وجوههم، لم يكن لها أي أساس من الصحة. وأنّه لم يكن هناك أي تربة مكشوفة في أي مكان قريب من منطقة القصف. وطالبت السودان من المراقبين الدوليين بأن يقوموا بفحص بقايا المصنع لإثبات وجود أي أثر لغاز الأعصاب الذي أصرّ كلينتون على وجوده هناك، لكنهم لم يجدوا أي شيء. والمبنى الذي تمّ قصفه في السودان اتضح أنه كان مصنعاً للأسبرين. ورفع مالك المصنع قضيّة يطالب فيها بالتعويض عما لحق به من ضرر. بينما مكان آخر تمّ قصفه في أفغانستان، اتضح أنّه لم يكن سوى مسجداَ.
في ذات الأثناء نشر الإعلام الأمريكي ما يشبه طوفان من الأخبار الملفّقة، عن قصص قتل وفظائع في كوسوفو في حملة إعلامية من أجل التشويش والتغطية على الحرج الذي تعرّضوا له بعد ما فعلوه في السودان. وكانت هذه القصص بنفس مستوى الفظاعة والإثارة، وثبت فيما بعد أنّها من وحي الخيال، كما كان الحال في معظم قصص ويليام راندولف هارت عن قصص فظائع الكوبيين.
وكما كان الوضع في ألمانيا أيّام حكم هتلر، حصلت بعض الأحداث التي زرعت الخوف في قلوب أبناء الشعب الأمريكي ليبقوا مستعدين لدعم مخططات حكومتهم التي كانت توهمهم بوجود أخطار، مثل تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك. ومسارعة الإعلام الأمريكي لإلقاء اللوم على من لقبتهم ب 'المتطرّفين' و 'أصحاب مؤامرات الجناح اليميني' و 'الأعداء الذين يعيشون بيننا'.
وها هم الأمريكان اليوم مثل الرومان أيّام كراسوس وسيسيرو، أو الألمان إبان حكم هتلر في بداية عهد انتخابه. يتم تحذيرهم من عدو خطير، مجهول الهوية والمكان، يعمل منفرداً، ويسيطر على الموقف بشكل جيّد. وكما كان الحال في روما وألمانيا استمرّت الحكومة الأمريكية باستجداء عطف الشعب لزيادة قوّتها وسلطاتها لتستطيع مواجهة الأزمات. وكما راقب سيسيرو الأحداث وهي تمر، فعل ذات الشيء من كانت بأيديهم السلطات والعلاقات الإعلامية بالاستمرار ببث إعلانات إنذارات الشؤم لتخويف الشعب وتطويعه للموافقة على اي قرارات عسكرية تنوي الحكومة اتخاذها.
تكرر السيناريو عقب ثورات الوطن العربي الأخيرة عندما بدأت حملة تخويف منظمة من أن هناك إسلاميين قد يمسكون بزمام السلطة وقد يطبقوا الحدود الإسلامية ويقطعوا أيدي السارقين ويجبروا النساء على ارتداء الحجاب وغيره. يجب الحذر من هذه التصريحات عبر الإعلام المسموم الذي يعيد إلى الأذهان ذات الطنطنة عقب فوز حماس في الانتخابات في قطاع غزة.
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، يجب أن يكون هناك دائماً غول جاهز في أماكن اهتمامها، يخشى منه الناس، ويجب أن تبقى صورة هذا الوحش حاضرة في الإعلام، لتتمكن متى شاءت من إقناع الشعب الأمريكي بضرورة تدخلها العسكري بمباركة المواطن البسيط دافع الضرائب.
هل هناك إرهابيّون يشكلونً خطراً حقيقياً على أمريكا؟ أم'هم ممثّلون مستأجرون مع كامل عدتهم وعتادهم من قنابل ومتفجرات، وساعات كاسيو. مدفوعي الأجر كما كان يفعل سيسيرو .
هل هناك إرهابيون يخشى على الولايات المتّحدة الأمريكيّة منهم، أم هي تمثيليّة يتم إخراجها بشكل مدروس في كل مرة لإقناع الشعب الأمريكي بقبول سياسات ثلة من تجار الحرب.
كلما رأينا على شاشات التلفزيون من يعيثون فساداً في الشوارع علينا أن ننتبه أن الفساد والإفساد هما أمران يمكن التخطيط لمسرحيتهما لإثارة الخوف في قلب الجماهير، لتبرير التدخل الأجنبي.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.