استضافت جامعة قطر الروائي السوداني الدكتور أمير تاج السر في ندوة أدبية بعنوان "ضغط الكتابة وسكرها"، حيث تحدث عن تجربته الكبيرة في كتابة الرواية، مارًا بطقوسه وإيحاءاته وأسراره التي يستوحي منها، بحضور عدد كبير من مسؤولي وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وعدد من المهتمين، وتأتي هذه الفعاليات ضمن الأنشطة المستمرة التي ينظمها منتدى "شغف" الثقافي بقسم اللغة العربية. وفي كلمة له قال الروائي تاج السر إن رواية العطر الفرنسي من الروايات التي اعتز بكتابتها، حيث لاقت صدىً واسعًا عند القرّاء والنقاد المتابعين، ويسعدني اللقاء بطلبتي وأبنائي في رحاب جامعة قطر، هذا الصرح الأكاديمي العريق، وأن تجربتي الكتابية تتمخض عن تجربتين في الكتابة اتجاه تاريخي خيالي، وآخر معاصر وحداثي، كما تحدث عن جديد أعماله وهي رواية أيبولا 76 التي انتهى منها منذ شهرين، عن حقبة غابرة في السودان وأوضح تدور أحداث الرواية "العطر الفرنسي" في شرق السودان، في حي فقير يسمى حي "غائب" ولا تخلو التسمية من دلالة على تمكن الفقر والإهمال. وقدم الأستاذ الدكتور أحمد درويش قراءة نقدية في رواية "العطر الفرنسي" ، عابرًا تفاصيلها الدقيقة وقال تنتمي رواية "العطر الفرنسي" للكاتب السوداني المرموق أمير تاج السر، إلى شريحة الروايات والأعمال القصصية المتميزة عربيًا وعالميًا، التي تعالج في كثافة وعمق موضوعًا هامًا وخطيرًا، يفرض هواجس النفس على الواقع الخارجي، أكثر من فرض معطيات الواقع الخارجي على مسيرة البطل أو الأبطال. وتقوم الرواية على فكرة غرس الشائعة في المجتمعات الشفاهية وسرعة انتشارها ومراحل انتظار تحقيق ثمارها، وفق التصور الذي تتم تنميته داخليًا أيًا كانت درجة اقترابه أو توافقه أو توازنه أو اعتراضه أو اختلافه أو اصطدامه مع الواقع الخارجي. والنتائج التي قد تترتب على درجات الارتطام. ويمكن تلخيص الدور الهام الذي تقوم به هذه الشخصيات على مستوى البناء الروائي، في مساعدتها على بناء جدران من الوقائع الممزوجة بالأوهام، مما يهيئ المناخ، للتراجع التدريجي لعالم الحقيقة أمام الزحف المنظم لعالم الخيالات والأوهام في رأس علي جرجار. وأضاف كذلك أن هذه البنية المتعددة الأذرع والعيون والأجنحة، تسمح للراوي من خلال الثغرات التي تحدثها في عالم الواقع، بشق طريقة بدرجة عالية من الفنية لتشكيل العالم الموازي، وتهيئة الحواس للتعامل معه. وفي مقدمة الحواس التي يتم تنشيطها وتهيئتها حاسة الشم، وهي المجال الذي اقتبست منه الرواية عنوانها "العطر الفرنسي" والشم هو أقرب الحواس إلى عالم الوهم الذي تتغياه الرواية، فهو لا يُرى، ولا يمسك ولا يصور، ولا يحتفظ به، وقد يضاف إلى ذلك، أنه لا ينكر أيضًا، فدرجة الحكم بالوجود والعدم فيه ملتبسة، تمامًا كقصة الحب التي تربط علي جرجار بالممرضة الفرنسية كاتبًا دون أن يلقاها، ولكنها تملأ حياته ويعاشرها ويقرر أن ينجب منها. وقد تثير سيطرة فكرة الشم عند الراوي من بعيد نظيرتها المضادة عند صنع الله إبراهيم في "تلك الرائحة"، وتتمثل سيطرة فكرة الشم على مناخ الرواية في تردد المفردات التي تشير إليها في كثير جدًا من صفحات الرواية؛ ، ويكاد الراوي يتحسس بأنفه كل جوانب عالمه الواقعي أو المتخيل، وفي قمتها "العطر الفرنسي"، إن كل هذه الخطوات الفنية المحكمة، التي قد تتم بوعي أو دون وعي من المبدع، هيأت المتلقي لدخول مملكة الخيال والفانتازيا المريرة. الراية