لندن- اتُّهمت الحكومة البريطانية الليلة قبل الماضية بالتعامل بمعايير مزدوجة بشكل غير أخلاقي، بعدما اتضح أنها تشجع رجال الأعمال البريطانيين على التعامل مع السودان، وهو ما يعني التعامل مع نظام يرأسه مطلوب أمنياً لارتكاب جرائم حرب. وذكرت صحيفة "اندبندانت أون صانداى" البريطانية أنه اتضح أنه فيما حذرت منظمات الإغاثة والأمم المتحدة من أن الأزمة الإنسانية التي سببتها الحكومة السودانية توشك على بلوغ مرحلة الانفجار، اتضح أن إدارة التجارة والاستثمار التابعة لوزارة الأعمال البريطانية تعاونت مع وفد تجاري زار الخرطوم الأسبوع الماضي. وأوضحت أن إدارة التجارة والاستثمار البريطانية أنتجت مطوية للشركات البريطانية بعنوان "التعامل التجاري مع السودان"، باعتباره دولة "توفر فرصاً تجارية مربحة" في صناعات تشمل تهدين الذهب والنحاس، والتنقيب عن النفط، والتشييد. وتروج الوثيقة بشكل صريح لإستراتيجية الخرطوم لتنويع مصادر دخلها بعد فقدانها مداخيل النفط، وهو فقد يعد ضربة موجعة لنظام الرئيس عمر البشير، إثر انفصال جنوب السودان العام الماضي. ولا يزال اللاجئون يتدفقون عبر حدود السودان إلى جنوب السودان وإثيوبيا، بسبب الغارات الجوية التي تشنها القوات الحكومية على منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وهرب نحو 200 ألف لاجئ خلال الأشهر الأخيرة. وحذرت منظمة أوكسفام الأسبوع الماضي من أن الأزمة تتفاقم سريعاً في مخيمات اللاجئين. ويتهم البشير، وهو الرئيس الوحيد في دست الحكم الذي وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اتهامات، بارتكاب جريمة الإبادة وارتكاب جرائم حرب. وفيما بلغ حجم التبادل بين السودان وبريطانيا خلال العقد الماضي بليوني جنيه إسترليني، قالت جمعيات خيرية وبرلمانيون إن استمرار قيام البشير باضطهاد قبائل جنوب بلاده يعني وجوب قطع العلاقات التجارية البريطانية معه. وتفرض بريطاني- مثل بقية بلدان الاتحاد الأوروبي- حظراً على تزويد السودان بالأسلحة، لكنها تواصل التبادل التجاري معه في البضائع غير العسكرية والخدمات. بيد أن الولاياتالمتحدة تفرض عليه عقوبات اقتصادية شاملة، بل إن بعض البنوك البريطانية ترفض التعامل مع السودان بسبب الأوضاع الإنسانية هناك. وكان وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية لورد هاويل قال للبرلمان إن الحكومة البريطانية لا تستطيع المساعدة في جلب الرئيس السوداني إلى العدالة، لأن "ثمة مشكلات حقيقية في القبض على مثل هؤلاء الأشخاص". ومع ذلك فإن رابطة الشرق الأوسط – وهي منظمة تجارية بريطانية- نظمت الأسبوع الماضي زيارة للخرطوم قالت إنها تمت بتنسيق وثيق مع إدارة التجارة والاستثمار الحكومية. وتشير المطوية التي أصدرتها إدارة التجارة والاستثمار لتشجيع الشركات البريطانية على التعامل مع السودان، في 15 يونيو الماضي، في 16 صفحة، إلى أن حكومة الخرطوم توفر حوافز عدة للشركات البريطانية، تشمل إعفاءات ضريبية، وتعرفة مخفضة للواردات، وضمانات بعدم مصادرة أعمال الشركات المستثمرة في السودان. وكان وزير الدولة لورد هاويل واجه استجواباً ساخناً في مجلس اللوردات الأسبوع الماضي بشأن سياسة الحكومة حيال السودان. وقال رداً على سؤال من لورد ألتون إن البشير يصعب القبض عليه وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا قرر مغادرة البلاد. وقارن لورد ألتون الليلة قبل الماضية بين موقفي لندن من ليبيا وسوريا، وقال إنها في المقابل تغمض عينيها حيال ما يجري في السودان. وتساءل: "لماذا هي رخيصة حياة الفرد في أفريقيا منها في أي مكان آخر في العالم"؟ ووصف قرار الحكومة بتشيع التعامل التجاري مع السودان بأنه "غير أخلاقي". على صعيد متصل، قال متحدث باسم إدارة التجارة والاستثمار الحكومية إن إصدار مطوية التعامل التجاري مع السودان "إجراء رةتيني"، وإن المسؤولين دأبوا على إثارة قلقهم حيال الأوضاع الإنسانية بشكل منتظم مع حكومة السودان. وتمسك المتحدث بأن إدارة التجارة والاستثمار لا تروج بشكل فاعل للتبادل التجاري مع السودان.