ذكر بعض المصادر الثقافية اللبنانية أن الشاعر العراقي مظفر النواب يمضي وقته بين مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، بعدما أعياه المرض، بل الأمراض التي تفتك بجسمه. آثر مظفر النواب البقاء في عهدة أصدقائه في بيروت على رغم ضيق يده ويدهم، على أن يمدّ يده إلى السلطة العراقية التي اختار أساساً أن يكون بعيداً منها منذ أعوام طويلة، متنعماً بحريته في الكتابة والعيش. ويعاني النواب الذي بلغ الثمانين من العمر داء الباركنسون وضعفاً في الكليتين، إضافة إلى الالتهابات والتورم. وعلى رغم أنه كتب الكثير من الدواوين الشعرية التي تتضمن بعض التصوف والخمريات والغزليات إلا أن الجمهور(أو الجماهير) العربي وقف عند هجائيات النواب، خصوصاً قصيدته الركيكة «القدس عروس عروبتكم» التي يشتم فيها الرؤساء العرب بسبب فلسطينوالقدس والعروبة، أو تلك التي يقول فيها «قمم قمم قمم معزة على غنم»، كأن الجمهور حين يختار شتائم النواب يبرهن علانية أنه لا يحب الشعر بقدر ما يهوى الكليشيات السياسية والصراخية التي تشفي غليله، خصوصاً في مرحلة الأزمات وتهاوي الأحلام والخيانات. ولم يكن النواب بمنأى عن «ثقافة التخوين» ووضع العالم بين فسطاطين على رغم أنه كان ينتمي إلى الحزب الشيوعي العراقي. في سنواته الأخيرة، ابتهج برحيل النظام العراقي الصدامي فأقام أمسيات عدة من بينها واحدة في مدينة أبو ظبي في عام 2005، وأشار بعض الكتّاب إلى حذف النوّاب بعض المقاطع من قصيدته «القدس عروس عروبتكم»، ما عدّوه تغييراً في مواقفه المعروفة. وطالما كان حديث أهل اليسار في لبنان، خصوصاً الفئات الشبابية، عن أن شعر النواب ممنوع في معظم البلدان العربية بسبب مواقفه. عاش النواب مرارة الأيديولوجيا السياسية وتشعباتها وتناقضاتها، وتعرض للسجن والتهجير والمنفى، ففي عام 1963 اضطر إلى مغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس الدامي بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من النظام الحاكم، فكان هروبه إلى إيران عن طريق البصرة، إلا أن المخابرات الإيرانية في تلك الأيام «السافاك» ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى روسيا، حيث أخضع للتحقيق البوليسي والتعذيب الجسدي والنفسي، لإرغامه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها. خلف القضبان في 28 ديسمبر 1963، سلمت السلطات الإيرانية النواب إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام ، إلا أن المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد. في سجنه الصحراوي واسمه «نقرة السلمان»، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل إلى سجن «الحلة» الواقع جنوب بغداد. في هذا السجن، حفر مظفر النواب ومجموعة من السجناء السياسيين نفقاً من الزنزانة المظلمة، يؤدي إلى خارج أسوار السجن فأحدث هروبه مع رفاقه ضجة مدوية في أرجاء العراق والدول العربية المجاورة. ثم توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ستة أشهر، توجه بعدها إلى الجنوب (الأهواز)، وعاش مع الفلاحين حوالى سنة. في عام 1969، صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم. منذ اختياره دمشق للإقامة فيها نهاية التسعينيات من القرن الماضي، بدأت عزلة النواب تتسع. اكتفى بداية بالجلوس في مقهى الهافانا في شارع 29 أيار، مرتين أو ثلاثاً أسبوعياً، ثم أصبحت مرة يتيمة، ليعتزل منذ ثلاث سنوات وأكثر في بيته الذي لا يفارقه إلا ليلتقي بعض الأصدقاء في أوقات متباعدة. في بدايته، كان النوّاب مطارداً من الأنظمة، وشهد في سنواته الأخيرة محاولات عدة من النظام العراقي الجديد ومن النظام البعثي في سورية لاستمالته، بالطبع لغايات سياسية ممجوجة أو لنقل أن يريدون تزيين سياساتهم المريرة من خلال العطف على تجربة شاعر تعرض للقسوة وكان رده على ذلك بالكلمة الساخطة.