هذا ما حذّر منه قبل ايام وعبر احدى الفضائيات العربية الزعيم السوداني المعارض حسن الترابي قال: ان السودان قد تتحول الى "صومال" اخرى. بمعنى انها تتمزق الى كيانات هزيلة خاضعة للامبريالية. مثقف سوداني اخر حذر من ان انفصال جنوب السودان عن شماله معناه محاصرة الامن القوم العربي من قبل اسرائيل فلم يعد خافيا ان التغلغل الاسرائيلي في جنوب السودان والبلدان الأفريقية المجاورة كأثيوبيا وتشاد وغيرهما بات امرا معروفا للقاصر والداني. انفصال الجنوب السوداني عن شماله والذي تباركه الادارة الامريكية ودول اوروبية اخرى معناه ان القومية العربية التي ما زال بعض قادة العرب يتحدثون عنها في مؤتمراتهم قد باتت محتواةً من قبل الاسرائيليين. اتساءل: لماذا يجب ان يقسّم السودان الى شمال وجنوب ومن ثم قد يقسم الى شرق وغرب؟ هل هناك مصلحة للعرب في ذلك؟ ثم ما معنى تحذير باراك اوباما رئيس امريكا من انه يخشى من حرب اهلية في السودان بسبب الاستفتاء تحصد ارواح ملايين السودانيين؟ اليست امريكا هي الداعمة للانفصال؟ من رأس"الفتنة" في السودان؟ اما التساؤل الاخر والكبير والذي طرحه سوداني اخر غيورعلى وحدة بلاده فهو: اين كان العرب من كل هذا الذي يحدث في السودان؟ لماذا لم يهبّوا قبل اشتعال الفتيل؟ اليست السودان بلدا عربيا تعداده بعشرات الملايين؟ الا يستحق من الجامعة العربية وقفة استراتيجية مسؤولة لا تكتفي فقط بالوعظ وتطييب الخواطر بل تقرع ناقوس الخطر امام القادة العرب والمسلمين ليتداركوا الامر قبل حلول الكارثة وهي "الانفصال"؟ مع الاسف لم يحصل شيء من هذا وكأن الامر بات لا يهم القادة العرب. ان انفصال جنوب السودان عن شماله معناه تبرير العقوق القومي لبلدان اخرى عربية وأفريقية في المستقبل.. في تصوري وتصور الكثيرين المتابعين للشأن السوداني فان تشكيل دولة في جنوب السودان سيعني اراقة مزيد من الدماء السودانية معناه ان الامن العربي بات في خطر.. كيف لا والسودان عضو وعنصر فاعل في هذا الامن القومي.. ولكن لماذا هذا التأييد الامريكي والاوروبي لانفصال جنوب السودان عن شماله؟ السبب معروف فجنوب السودان غني جدا بنفطه وحديده وذهبه وارضه الخصبة جدا ومياهه الغزيرة كل هذه الامور هي التي تدفع الامبرياليين والاسرائيليين الى الترحيب بالانفصال وتكريس التجزئة وللعلم فالاسرائيليون موجودون في جنوب السودان -وكما تشير المعلومات - منذ الستينيات من القرن الماضي.. الفنادق والصناعة الفندقية في الجنوب يشرف عليها اسرائيليون.. اسرائيل ستكون مسرورة ان تم الانفصال فمرفأ بور سودان سيتآخى مع ميناء "ايلات" الاسرائيلي مع ما يستتبع ذلك من استنزاف للخيرات السودانية وفتح الاسواق واسعة امام الصادرات الاسرائيلية. ان الخطر قادم اذا ما تم "الاستفتاء" ومسادته امريكا بصفة خاصة والتي اعلنت وزيرة خارجيتها انها شبه واثقة من ان السودانيين سيختارون فصل الجنوب عن الشمال.. ان حصل الانفصال قد يقتتل السودانيون قتالا لا حدود له حول حصصهم من الموارد الطبيعية وبخاصة النفط ومعظمها في الجنوب. ستشتعل حرب اهلية -لا قدر الله - بين المؤيدين لوحدة السودان وبين الانفصاليين... ستتم مواجهة بيت القبائل السودانية المبيدة للوحدة وتلك المؤيدة للانفصال في الجنوب السوداني .. سيتم اشعال فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين في هذا الجنوب وكلنا يعلم ان شعار "فرق تسد" هو شعار استعماري عتيق عانت منه امتنا العربية والاسلامية كثيرا خلال القرون الماضية وهذا السودان العظيم الذي بامكانه ان يكون سلة غذاء لجميع البلدان العربية يراد له اليوم ان يتشظى خدمة للامبريالية والمتعاونين معها وخدمة للكيان الاسرائيلي .. ذات مرة -وكما اذكر - طلب السودان من العرب 18 مليار دولار للاستثمار الزراعي وكان بامكان توفير هذا المبلغ ان يوفر الغذاء للعرب كل العرب ولكن لم يتم الاستجابة لهذا الطلب .. كم ، نحن كعرب ، بتنا مبعثرين قُطريين لا ننظر للمصلحة العربية العليا الا بمقدار ما تخدم هذه القُطرية".. تُحاك لنا المؤامرات في الخارج فنتجاهلها ونقلل من شانها وفجأة تقع الطامة الكبرى فيُمزّق بلد عربي دون ان نحول دون تمزيقه. اقول ان هناك دولاأافريقية مجاورة للسودان افتعلت قضية مياه "النيل" لتحرم جمهورية مصر العربية من حصتها من المياه او بالاحرى لتخفض هذه الحصة... فعلت ذلك في خضم الحديث عن فصل جنوب السودان عن شماله وذلك -كما قيل - لاشغالها عما يجري في السودان ولجعل قضية مياه النيل هي شغلها الشاغل..انها المؤامرة الكبرى. اكثر من هذا ، فان تداعيات تشريع فصل جنوب السودان عن شماله سينعكس سلبا على دول عربية اخرى حين تُستنفر فيها العرقية والطائفية.. سيحدث هذا ما دمنا كعرب ومسلمين غير معنيين بما يجري لهذا القطر العربي او ذاك. تُرى هل هانت علينا الكرامة العربية حتى وصلنا الى هذا المنحدر؟ لماذا نقف موقف اللامبالاة لما يحدث في السودان ولما يحدث في الصومال وغيرهما؟ انسينا مقولة: أكلتُ يوم أُكل الثور الابيض.. او الازرق.. اقولها بصراحة ان انهيار السودان لا قدر الله يعتبر ضربة موجعة لكل القيم التي تخص التضامن العربي ..انهيار السودان ككيان موحد معناه "الموت العربي". * يوسف عبدالله محمود