منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    وزارة الصحة تلتقي الشركة المصرية السودانية لترتيب مشروعات صحية مشتركة    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصادق المهدي: تجربة الإخوان «مزقتنا».. و«الميليشيات» ستفتح «جهنم» على مصر.. حزب البشير ستكون لديه مشكلة كبيرة جداً دون البشير.
نشر في الراكوبة يوم 11 - 05 - 2013

شدد رئيس الوزراء السوداني الأسبق، زعيم حزب الأمة، الصادق المهدي، على أن إنشاء ميليشيات أهلية في مصر، ستفتح على البلاد ما سماه «بوابات جهنم»، وحذر من تسبب السماح لبعض المجموعات بحمل السلاح، وقال إن ذلك سيكون مبررا لأهل سيناء والنوبة ومناطق أخرى لحمل السلاح.
وقال «المهدي»، فى حوار ل «المصرى اليوم»: «إن ما يحدث فى مصر من محافظة على الديمقراطية يساهم فى نشر الديمقراطية فى المنطقة كلها، وحل الأزمة السياسية فى مصر، لن يتم إلا عن طريق التراضي بين القوى المدنية والإسلامية»، وتابع أنه لن يتم الخروج من الأزمة الحالية، فى مصر ب«ضربة قاضية» يسددها فريق لخصومه.. وإلى نص الحوار:
■ نقترب من عام على تولى الإخوان المسلمين حكم مصر.. كيف تقرأ المشهد فى ظل هذه التعقيدات التى نشهدها حالياً؟
- فى 25 يناير 2011 حدثت ثورة عظيمة فى مصر، لكنها لم تكمل دورتها، باعتبار أن الثوار عادة بعد إحداثهم التغيير يستولون على السلطة ليضعوا سياسة الثورة وأهدافها، لكن هنا فى مصر لأن الثورة كانت طبيعتها «تلقائية» أكثر من كونها مخططا لها، لم يكن هناك تخطيط للإطاحة بالنظام، وبناء معالم نظام جديد، لذلك آلت الأمور إلى المؤسسات الموجودة، والتنظيمات المعروفة والموجودة حسب استعدادها.
وأدى هذا إلى أن سلطة الحركات الإسلامية التى استطاعت أثناء الحكم الديكتاتوري، أن تجد لنفسها استمراراً فى شكل نشاط ديني واجتماعي، أصبحت لديها تنظيمات متقدمة على القوى الأخرى، لذلك عندما جاءت الانتخابات كان من الطبيعي، ودون أى تزوير أن تتولى هذه التنظيمات الإسلامية أمر الحكم.
لكن معروف أن هناك استقطابا حادا فى الرأى العام المصري، والتيارات الإسلامية تمثل شعبية عريضة، وهناك تيارات أخرى تمثل تطلعات مدنية وليبرالية واشتراكية، وكذلك تمثل رؤية دينية مختلفة مثل الأقباط بمعنى أن هناك رأيا آخر، وفى هذا الإطار لا يكفى أن تحل الأمور فقط على أساس الحساب الانتخابى، لأن هناك قوى ذات منطلقات لا يمكن التعامل بينها إلا على أساس مشروع من «التراضى»، والحكم الموجود حاليا لديه شرعية دستورية، لكن القوى الأخرى لديها كذلك موقف من الاعتراض، على البرنامج الإسلامي، من منطلق مصالحها المدنية والدينية.
■ كيف ترى محاولات التيارين الديني والمدني فى مصر لأن يفرض أى منهما رؤيته على التيار الآخر؟
- فى تقديرى لن يستطيع أى من هذين التيارين، أن يمحو الآخر، ولنفرض على سبيل المثال أن القوى المدنية استطاعت أن تسقط الإخوان، فالإخوان سيكونون أقدر على المعارضة منهم على الحكم، ولذلك إذا أزيح الإخوان من السلطة، فهذا لا يعنى أن القوى المدنية تستطيع فى هذه الحالة أن تحكم بشكل مستقر، لهذا نرى أنه لابد من مستوى جديد من «التراضى» بين كل القوى الإسلامية والمدنية فى مصر.
وفى الإطار الحالى فإن التراضى يمكن أن يقوم على أساس ما طرحناه نحن فيما سميناه «نداء الكنانة»، وهو بخلاصة شديدة يقوم على أن القوة السياسية الحاكمة تقول «نحن على استعداد أن نقبل تعديلات أساسية فى الدستور.. وعلى استعداد أن نقبل الاتفاق على المواعيد المناسبة لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة.. وعلى استعداد أن نقبل حكومة فى الفترة الانتقالية تكون حكومة تراضٍ بمعنى أن تمثل فيها كل القوى، أو تكون حكومة تكنوقراط».
وفى المقابل مطلوب من قوى المعارضة سواء الإنقاذ أو القوى الشبابية أن تقول «نحن على استعداد لثلاثة أشياء أولاً الاعتراف بشرعية الحكم الموجود، ثانياً لا تغيير بوسائل غير دستورية، ثالثاً استبعاد أى فكرة لدور القوات المسلحة»، وفى رأيي يجب أن نحرص جميعا على إبعاد القوات المسلحة المصرية عن الصراع السياسى، فحالياً الجيش المصرى يكاد يكون ما تبقى من الجيوش العربية، ففى سوريا الجيش السوري فى حالة يرثى لها، وفي العراق وفى اليمن، والجيش المصرى يكاد يكون الأكثر تماسكا وسلامة من الجيوش العربية كلها، ولذلك لابد أن يحافظ على هذا الأمر، وهذا أمر لا يمكن حدوثه إذا تم الزج بالجيش المصرى فى العمل السياسي، لذلك يجب أن يقال «إن القوات المسلحة هى حامية الوطن، وتحافظ على الضبط والربط، ونبعدها عن الصراع الحزبى القائم».
وأنا فى رأيى أن هذه المطالب الثلاثة سواء من السلطة الحاكمة فى مصر، أو المعارضة يمكن أن تكون الأساس لوفاق وطنى فى مصر.
■ محاولتك التوسط بين الإخوان وجبهة الإنقاذ تثير التساؤلات حول هدف الوساطة؟
- نحن كسودانيين وكمسلمين وعرب وأفارقة مهتمون جداً بحل مشاكل مصر، وتحقيق الاستقرار، والمحافظة على الديمقراطية داخلها، لأننا نعتقد أن ما يحدث فى مصر من محافظة على الديمقراطية يساهم في نشر الديمقراطية فى المنطقة كلها، وفى رأيى هذا ممكن تحقيقه، لكن حتى أستطيع أنا أو غيرى من المعنيين جداً بالاستقرار فى مصر أن نقوم بدورنا فى الوساطة، والنصح يجب أن يتأكد لنا أن جميع الأطراف تقبل هذه الوساطة.
■ أين انتهت وساطتك؟
- أجري بالفعل اتصالات مع جميع القوى السياسية المصرية، ولحسن الحظ أنه فى أثناء نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، استطعت وغيري من السودانيين بناء علاقات وثيقة مع كل القوى السياسية الإسلامية والمدنية فى مصر، فقد كنا نجتمع باستمرار مع هذه القوى فى القاهرة، وهذا يعطينا فرصة أن نتكلم مع جميع هذه القوى، ونعطيهم النصيحة، وسنفعل ذلك.
وأعتقد أنه فى مرحلة معينة سأوجه خطابا مفتوحا للقوى السياسية فى مصر، كل ذلك لمحاولة الوصول لمخرج بالتراضى باعتبار أنه لن يتم الخروج من الأزمة فى مصر ب«ضربة قاضية يسددها فريق للآخرين»، وما نفعله لا نعتبره تدخلاً فى الشؤون الداخلية لمصر، بل على العكس ففى مثل هذه القضايا مصيرنا واحد سواء فى السودان أو مصر، ونحن نطلب أيضاً من هذه القوى المصرية أن تقوم بدور فى السودان على أساس أن السودان فى محنة ويحتاج لنصح من أشقائه للخروج من مأزقه، فلقد صرنا كسودانيين ومصريين فى هم هذه القضايا «موحدين»، ونحتاج رؤية حكماء حتى نرى كيف نجد مخرجا فى مصر لا يقوم على مواجهات وفى السودان كذلك، حتى نستطيع فى إطار وجود ديمقراطية فى مصر والسودان، أن ننطلق بعلاقات تكاملية مبنية على المصالح المشتركة، التى تؤسس على تراضٍ شعبى نعتقد أنه ممكن.
■ هل تعتقد أن نظام الإخوان المسلمين فى مصر يسير على نفس نهج «الإنقاذ» فى السودان فى إقصاء الآخرين؟
- فى رأيى الظروف مختلفة فى كلتا الحالتين، فنظام الإخوان فى مصر، جاء عن طريق خلفية مختلفة عن نظام الإنقاذ فى السودان، فمثلاً نحن فى السودان لم نكن نعامل الإخوان المسلمين بأى درجة من التعذيب والعقوبة والإساءة، بالعكس كنا نتعامل معهم بطريقة مختلفة جداً فيها الاستقبال والترحيب، لكن فى مصر الإخوان أخذوا على «رأسهم ضربا فظيعا، فعندما نقرأ «البوابة السوداء» ل«أحمد رائف»، وما كتبه أحمد شلبي فى موسوعة «التاريخ العربى»، نرى أنه حدث نوع من البطش الشديد فى معاملة الإخوان، وهذا بالتأكيد أدى إلى ترسب حالة من المرارة، فهنا فى رأيى عنصر مختلف، فى السودان لم تكن هذه الحالة.
والإخوان المسلمون فى مصر أتوا للسلطة عبر «الصناديق»، وفى السودان أتوا عبر «الدبابة»، ولذلك هناك اختلاف، لكن مع هذا فإن الإخوان المسلمين فى السودان وفى مصر عندهم مشكلة فى التعامل مع المجتمع المدنى، والتنوع الدينى، ففى هذا الجانب هناك موقف مشترك بينهم، ففى السودان حدث فشل فى التعامل مع الاختلاف الدينى، وفى التعامل مع الاختلاف المدني، ولذلك فالسودان الآن فى موقف نستطيع أن نقول عنه «التجربة فشلت فشلا تاما».. تمزق السودان وتعرضه الآن ل6 جبهات قتال، فى عزلة من الأسرة الدولية.
■ هل من الممكن أن تتخذ جماعة الإخوان فى مصر وتونس من النظام السودانى نموذجاً لتطبيقه؟
- فى تقديرى كل الحركات الإسلامية التى جاءت للسلطة عن طريق الانتخابات سواء فى تونس أو القاهرة تدرك حليا أنه ينبغى تجنب التجربة السودانية فى التعامل مع الخلافات المدنية والتعددية الدينية والأسرة الدولية.
ولأن الخلاف بين القوى المدنية والقوى الإسلامية فى مصر وصل إلى درجة من الاستقطاب الحاد تحول دون التفكير الموضوعى، ولهذا نحن نقول إنه إذا تهيأت الظروف لسيادة التفكير الموضوعى، فالحركة الإخوانية فى مصر والحركة الإخوانية فى دول الربيع العربى، ستتعامل مع التجربة السودانية من باب تجنب التجربة لا الاقتداء بها، وللأسف الاستقطاب الحاد يدفع الحركة الإخوانية المعنية إلى شىء أقرب للتجربة السودانية.
وهذا أمر نحن نريد أن نتجنبه، لأنه إذا سادت ظروف موضوعية ستتم الاستفادة من التجربة السودانية من باب تجنب وسائلها، ولكن إذا حدث الاستقطاب الحاد، وأرادت السلطة أن تتحول إلى سلطة إقصائية، فالسلطات الإقصائية وسائلها واحدة، وفى رأيى هذا سيكون «إخفاقا»، ولهذا نحن حريصون على وقف هذه اللغة الاستقطابية الحادة المزعجة، لأنها تجرد الجهات المعنية من التفكير الموضوعى.
■ لكن المؤشرات الموجودة على الأرض تشير إلى أن نظام الرئيس المصري يحاول الاقتداء بتجربة السودان خاصة فيما يتعلق بما يعرف ب«الأخونة»، ومحاولة السيطرة على مفاصل الدولة؟
- وارد أن يكون فى هذا اتهام، ولكن أنا رأيى إذا تحقق فى مصر مشروع تراضٍ فمن الممكن أن يتفق على هذه القضايا كلها، بمعنى أنه من الممكن تجنب الخندقة وراء الأخونة، لأنه فى النهاية فكرة «التمكين»، كما يطلق عليها فى السودان جاءت بنتائج عكسية، فأنت تستطيع أن تتخندق داخل حزبك، لكنك بهذا ستفرض على الآخرين الاستقطاب ضدك، والنتيجة فى النهاية لن تكون ناجحة، وإذا أمكن الاتفاق على مشروع التراضى بين كل القوى السياسية فى مصر، فيمكن أن يدخل فى إطار هذا المشروع أيضا كيفية التعامل مع هذا الملف باحترام المؤسسات مثل القضاء والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، بمعنى أنه إذا كان هناك «تراضٍ» فيمكن الاتفاق على احترام مؤسسية هذه المؤسسات.
■ البعض يتحدث حاليا عن إنشاء ميليشيات خاصة.. وهذا يدخلنا فى صراع من نوع جديد.. كيف ترى الأمر؟
- أى حديث عن ميليشيات سيأتى بنتائج عكسية، حيث ستخسر بموجبه القوات النظامية، وفى رأيى أن هذا الأمر يمكن أن يدخل فى عملية «التراضي»، والاعتراف بأن هناك مؤسسات قومية «القضاء – القوات المسلحة – قوات الأمن – الخدمة العامة»، وأى محاولة للجوء لميليشيات خارج هذا الإطار، فى رأيى ستدمر هذه المؤسسات القومية، وستزيد الأمر خطورة بأن كل جهة ستعمل لنفسها قوات ضاربة، وهذا ما حدث فى السودان، حيث يوجد به 50 فصيلا مسلحا.
والسبب هو نزعة «حزبنة السلاح»، فالسلاح يجب أن يكون منضبطاً قومياً، فأى نظرة ل«حزبنته» ستؤدى إلى أن كل الأطراف وهى كثيرة جداً مثل «الأقباط والنوبة وسيناء» سيفتح أمامها الباب أيضا لبوابات جهنم، مثلما حدث فى السودان، ففكرة أن تنشئ لنفسك ميليشيات مسلحة مسألة محزنة، فالخطوة الثانية بعد كل الخلاف السياسى هي الانتقال إلى السلاح، وفى النهاية لن تتحقق أى فائدة، والأفضل أن تحسم الأمور بالسياسة وليس بالأمور العسكرية.
وفى رأيى التجربة السودانية من هذه الناحية مفيدة جدا، لأن النظام السودانى أدرك حالياً أنه كلما أنت حرست موقفك السياسى بقوة منحازة لك، ستخلق سابقة للآخرين أن يفكروا فى التغيير بقوة منحازة لهم، فكما ذكرت لك فى السابق لدينا الآن فى السودان 6 جبهات قتال و50 فصيلا مسلحا، وهذا كله بسبب أنك حاولت أن تحرس برنامجك الحزبى بقوة مسلحة حزبية.
■ أرى فى حديثك حالة من التفاؤل بقرب التوصل إلى توافق بين القوى السياسية المختلفة فى مصر ما سببها؟
- أنا متفائل إذا كانت هناك ديمقراطية، وإذا استمرت الحالة الديمقراطية فكل هذه المشاكل سيتم التوصل لحلول لها، الخطر والخطأ إذا كانت هناك جهة «زهق» من الديمقراطية وفكرت بطريقة انفرادية، وحاولت فرض رأيها سواء بميليشيات أو غيرها، وهذا أمر قد يحدث، ولكن فى رأيى لن ينجح لأن الشعب «انعتق»، وميدان التحرير أصبح مؤسسة، وليس مجرد مكان، مؤسسة أصبح لها دور فى العالم كله، فلقد أصبح آلية شعبية خارج المؤسسات، للتعامل مع العمل السياسى، وأى جهة تحاول أن تنفرد بالسلطة ستجد نفسها أمام إحياء لدور ميدان التحرير، ولقد أصبح هناك أيضاً حزب ليس له قيادة وليس لديه برنامج محدد، هو «حزب الشباب»، ويعبر عن نفسه عبر «فيس بوك» و«تويتر»، وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعى، وهؤلاء يمثلون قوة لديها أهداف ووسائل، وكل هؤلاء سينقضون عليك إذا حاولت أن تجرد الشعب والبلاد من الحرية والتطلعات الشعبية، وأنا متفائل طالما هناك حرية وديمقراطية، فكل الأطراف حتى المخطئة الآن ستجد نفسها أمام ضرورة تصحيح أخطائها.
■ إذا انتقلنا إلى ما يحدث فى السودان.. هل تعتقد أن الرئيس السوداني سيفى بوعده بعدم الترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
- أعتقد أن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان ستكون لديه مشكلة كبيرة جداً دون البشير، لأنهم بنوا شخصية البشير، وهى سبيلهم إلى الكسب بطريقة انفرادية، وإذا افترضنا أن البشير يرغب بالفعل فى عدم الترشح من جديد للرئاسة، إلا أن الحزب يرى أن وجود البشير ضمان لمصالحة.
وإذا عدنا قليلا إلى الوراء سنجد أن البشير ليس الأول من الرؤساء، الذى ذكر أنه لن يقوم بترشيح نفسه، فقد سبقه الرئيس المصرى السادات الذى أعلن فى مرحلة ما أنه لن يقوم بترشيح نفسه، لكنه ترشح للرئاسة، وكذلك الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح أعلن كذلك أنه لن يرشح نفسه وترشح بعدها، معنى هذا أن السجل المعروف هو أنه مهما أعلن الرئيس ذلك، فمن الممكن أن تقوم جهات معينة ذات مصالح فى استمراره بتغيير هذه المعادلة.
■ هل تقصد أن هناك جهات قد تمارس ضغوطاً على البشير لإثنائه عن عدم الترشح؟
- نعم.. لكن القضية فى السودان لم تعد فى ترشح البشير أو عدم ترشحه، فالقضية أصبحت فى أن النظام كله يجب أن يتغير، فطرح المسائل فى السودان فى أن يستمر البشير أو لا يستمر فى رأيى هو طرح غير واقعى، النظام كله الآن فى حالة إخفاق تام، ولابد من «صبه جديدة» بمعنى نظام جديد، فلن يعالج مشاكل السودان، ويوقف الحروب الكثيرة والاستقطاب الحاد فى الجسم السياسى السودان إلا نظام جديد.
■ بأى طريقة يمكن أن يأتى هذا النظام الجديد في الخرطوم؟
- النظام الجديد سيأتى فى تقديرى عن طريق خطوات واضحة، على رأسها أن تتفق هذه القوى، وهى فى سبيلها أن تتفق على معالم النظام الجديد، وثانى هذه الخطوات هى الضغط المجرد عن العنف، وبالمناسبة هناك كثيرون لا يستطيعون تفهم كون الحاكم الاستبدادى أفضل له أن يقاوم عن طريق العنف، لأن هذا الأمر يعطيه المبرر لاستخدام البطش، لكن يمكن تجريده من هذا السلاح إذا تم التأكيد على استخدام الوسائل السلمية.
صحيح أن هذا الحاكم الاستبدادى لن يسمح لك باستخدام هذه الوسائل السلمية ويبطش بك، ولكن هناك فى السودان الآن العناصر التى تتطلع لنظام جديد لم تعد فى المعارضة التقليدية صارت موجودة معارضة مسلحة، وصارت موجودة داخل القوات المسلحة السودانية، وصارت موجودة من داخل الحزب الحاكم نفسه، فالتطلع للنظام الجديد فى السودان صار فى رأيى الآن واسعا جدا، وليس كما كان فى المعارضة التقليدية.
وإذا كانت القيادة السياسية برمجت نفسها بطريقة واعية يمكن أن تحقق أهدافها عن طريق الاتفاق على معالم النظام الجديد، وثانيا التفاوض مع النظام الحالى حتى يدرك أن الحل لن يعزل منه أحد، وثالثا الضغط الشعبى عن طريق الاعتصامات فى كل ميادين السودان وأمام سفارات السودان فى الخارج، هذه كلها يمكن أن تكون وسائل آمنة أو غير دموية للسعى لتغيير النظام.
وهناك إحساس بأن النظام السودانى أخفق فى القضايا، التى طرحها كشعار له، فهو قد جاء بهدف إنقاذ السودان كما ادعى، لكنه ورط البلد فى أشياء كثيرة جداً، ولذلك فإن الظروف مواتية حالياً للعمل من أجل هذا النظام الجديد فى السودان، ونحن لا نطرح الأمر فى إطار ترشيح البشير نفسه فى الانتخابات المقبلة أو لا، وإنما فى إطار نظام سودانى جديد كما ذكرت لك.
المصري اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.