«كلمي امك قولي ليها بكرة الاربعين خليها التجينا فجر عشان ماشين نكسر قبر المرحومة».. هكذا سمعتها تتحدث في هاتفها في احد بيوت العزاء، وبقليل من الصبر وكثير من الفضول كنت ارقب انتهاء تلك المكالمة، فما ان اغلقت هاتفها الا ووجدتني اقف قبالتها واسألها: بكرة عندكم شنو يا خالتي فاطمة بتعزمي عليهو؟ فردت باستهجان: بكرة يا بتي المرحومة بتم اربعين يوم. ولكن لم يكن هذا يشفي غليلي، فما كنت اقصد هذا الرد من وراء سؤالي مما جعلني اسألها من جديد: لا سمعتك بتقولي ماشين نكسر القبر ، تكسروا كيف ؟ فاجأبتني بعد ان تنهدت: يا بتي من ما قمنا عندنا السبوع والخمستاشر والاربعين للميت وديل بسووا فيهن الكرامة، وفي الاربعين بنمشي المقابر بنشيل معانا شوية حصي وطوبتين.. أها الحصي بنحوي بيهو القبر وبنمسح القبر من فوق ونساويهو ونتوسد رأس الميت بي طوبتين ونرش القبر بالموية ونقرأ ليهو الفاتحة، ونبقي سادرين علي البيت ومشوارنا دا بيكون فجر عشان نرجع البيت قبل الشمس ما تطلع. اربعين يوما بعد وفاة المرحوم ايام تعدها النسوة عدا وينتظرنها كي يكملن فيها طقوس ترتبط بالموتى. ولم اجد من يدلني على سبب اختيار هذا اليوم او تحديد هذه الطقوس التي ترجع الى اصول فرعونية، فقد حدثتني الحاجة أم دور فتح العليم فقالت: نحنا من قمنا ولقينا اماتنا يوم الاربعين بمشوا الترب ويكسروا قبر الميت، وفي البيت بيحضروا البلح ويعملوا الزلابية ويوزعوها على الجيران والحبان، وقالوا روح الميت لسه بتكون بيناتنا شايفانا وحاسة بينا. وتذهب حسينة عوض في حديثها ل «الصحافة» الي ابعد مما قالته حاجة أم دور، فتقول: ان زيارات المقابر ما بتكون في الاربعين بس، لانو اول عيد للميت وهو اول عيد بيكون بعد وفاتو ، ولازم تكون في زيارة يمشوا اهل الميت المقابر بعد صلاة الفجر مباشرة، وده يوم كنا بننتظروا زمان لمن كنا صغار، وكنا حريصين علي زيارة المقابر، وما كان بهمنا في الزمن داك غير اللقيمات والبلح، وفي ناس كانوا بوزعوا القروش يتصدقوا بيها علي موتاهم في اليوم داك، وتقول حاجة بت ود محمود: نحمد الله هسي الناس اتغيرت كتير والله زمان المرة المحبوسة لا تستحما ولا تغسل توبا الا بعد ما يكسرو تربة راجلا، ويوم العيد الزحمة البتكون في المقابر في مكان الصلاة ما تكون كدي، كل ناس شايلين كرامتم شي قروش وشي بلح، وتحلفي تقولي الميت ده يا دوووب دفنوهو من كترت البكاء، والمحبوسة كمان اول طلعتا من بيت الحبس لازم تمشي تشوف قبر راجلا، لكن نحمد الله الناس وعت شوية من زمان، وتقول الموظفة هنادي سر الختم: ونحن صغار اذكر انه عندما توفي جدي لامي ذهبت في رفقة والدتي يوم الوقفة الي المقابر، وكنا نحمل المكانس، وقمنا بكنس وتنظيف المقابر، وتفاجأت وقتها عندما وجدت الكثير من جيراننا ممن توفي اقربائهم ينظفون المقابر، وكان ذلك جزءاً من تفاصيل نظافة ما قبل العيد، قبل ان نعود في اليوم التالي من فجر العيد الى كسر التربة. «الصحافة» اتصلت بالبروفيسور محمد المهدي بشرى الخبير في شأن الثقافة السودانية والاستاذ بمعهد الدراسات الآسيوية والافريقية بجامعة الخرطوم وسألته عن ذلك فقال: ان الثقافة الاسلامية لا يوجد فيها تقديس لاجساد الموتى، ولكن هذه العادات نابعة من الحضارات القديمة، وكسر التربة يكون بعد الاربعين، وقد ذكره التجاني يوسف بشير في شعره، وهو عادة قديمة والارجح انها غير سودانية، وتحديد اليوم بالاربعين يعود الى انه جاء في الحضارات الفرعونية انه بعد اربعين يوماً يكون قد انتهى التحنيط بالنسبة للجنائز، لذا اتصور ان كسر التربة من العادات الفرعونية التي تهتم بقداسة الميت وترمي الى الاهتمام بقبره وتزيينه، فقد وردت في الحضارات المروية والكوشية احاديث عن عظمة الميت، وإن كان التعظيم قديماً للملوك فقط. الصحافة