مع اقتراب موعد الاستفتاء على مصير جنوب السودان يتصاعد الجدل بشأن المواطنة والجنسية للجنوبيين المقيمين في الشمال والشماليين بالجنوب، في ظل حديث مسؤولين بالحكومة المركزية عن إسقاط الجنسية عن جنوبيي الشمال حال وقوع الانفصال. ويتوقف على حل مشكلة الجنسية مصير نحو مليوني جنوبي يعيشون في الشمال، وأولئك القاطنين في مناطق التماس بين الشمال والجنوب والذين يقدر عددهم بثلث سكان السودان، وهي مناطق تشهد تداخلا وحراكا اجتماعيا واسعا ومناطق للرعي وسيكون من الصعوبة حد حركة السكان فيها. وتفجرت حمى الجنسية والمواطنة عندما صرح مسؤولون في الحكومة السودانية بأن الجنوبيين لن يحملوا الجنسية السودانية إذا وقع الانفصال، مما يترتب عليه حرمانهم من حق المواطنة ووضعهم في الخدمة العامة، وما يتصل بها من المعاش والسكن والتأمينات الصحية والاجتماعية وغيرها. وبذلك أصبحت المواطنة من المسائل الشائكة التي تواجه طرفي اتفاقية السلام (حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان) فيما عرف بقضايا ما بعد الاستفتاء التي تشمل إلى جانب المواطنة والجنسية الأمن والنفط والديون الخارجية والمعاهدات الدولية وتعكف لجان مشتركة من الجانبين حاليا على حلها. ويهدد عدم الوصول لحل هذه القضية بظهور مجموعات (البدون) أي مجموعات بلا جنسية لا تنتمي إلى أي من الدولتين، ولا يُعترف بمواطنيها في أي من الكيانين، مما يعرضهم لأوضاع إنسانية قاسية يفقدون فيها كل الحقوق الطبيعية للمواطن. غير مسؤولة ويتساءل القيادي في جبهة الإنقاذ الديمقراطية الجنوبية فاروق جاتكوث في حديث للجزيرة نت كيف يمكن نزع الجنسية من الجنوبي الذي اكستبها بالميلاد؟، ويصف التصريحات بهذا الشأن بأنها غير مسؤولة وأنها تهدف لتحريض شعب الشمال على الجنوبيين. وحذر جاتكوث من تكرار ما وصفه بالإبعاد القسري للإريتريين بعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا. ويقترح أن يكون هناك بعض الوقت لحل الإشكال حال وقوع الانفصال، حتى يتمكن الجنوبيون في الشمال والشماليون في الجنوب من توفيق أوضاعهم، تجنبا لحدوث إشكالات قانونية "لأن العالم سيسأل الجنوبي في الشمال من أنت ولأي دولة تنتمي". وتشير تصريحات المسؤولين السودانيين إلى أن اتفاقية السلام منحت الجنوبيين حق تقرير المصير وأعطتهم حق التصويت، دون بقية مواطني السودان، لتحديد وضعهم، وإذا قرروا الانفصال يصبحون تلقائيا مواطني دولة أخرى ومنحهم جنسية الجنوب سيسقط عنهم تلقائيا الجنسية السودانية. ورقة ضغط وأصبحت المواطنة ورقة رابحة في يد المؤتمر الوطني في المفاوضات، والأرجح أن الحزب الحاكم في الشمال لن يقبل بمنحهم حق المواطنة لمنح الحركة الشماليين بالجنوب ذات الحقوق وذلك لضخامة عدد جنوبيي الشمال الذين يقدر عددهم بمليوني شخص بخلاف شماليي الجنوب التجار قليلي العدد. فيما تساوم الحركة الشعبية بورقة النفط والديون الخارجية. وهناك ثلاثة احتمالات للتعامل مع هذا الملف وهي: أولا أن يتم الاتفاق على ازدواجية الجنسية لمن يرغب من أبناء الجنوب، فيصبح لهم كامل حقوق المواطنة في الشمال كما هي في الجنوب، ويسمح القانون السوداني الحالي بازدواجية الجنسية، لكن هناك عقبات تعترض هذا الخيار أهمها رفض الجنوبيين لهذا الخيار إن طالب الشمال بالمعاملة بالمثل. ويشير البعض إلى مشكلات للجنسية المزدوجة والتي رفضتها منذ الوهلة الأولى الحكومة السودانية ومنها أنها تفتح الباب لتدخل دولة في شؤون جارتها بحجة وجود عدد من مواطنيها فيها وتثير تساؤلات بشأن ولاء المواطن لدولته الأم والجديدة. والخيار الثاني هو منح أبناء الجنوب الموجودين في الشمال الخيار بين جنسيتي البلدين، فيصبح أحدهم مواطنا في الدولة التي يختار، وهذا يعني فقدان المواطنة في البلد الآخر، وعقبة هذا الخيار ومشكلته هي في احتمال رفضه من الشماليين لضغطه على الموارد في الشمال، واستئثار أقلية جنوبية بالدولة الجديدة في الجنوب. أما الخيار الثالث فهو اعتبار كل الجنوبيين مواطنين في الدولة الجديدة في حالة الانفصال بشكل تلقائي دون النظر إلى أية خيارات أخرى. طبيعة العلاقة غير أن رئيس تحرير صحيفة "السوداني" ضياء الدين بلال يرى في حديث للجزيرة نت أن المشكلة ليست مشكلة الجنسية وإنما طبيعة العلاقة بين الشمال والجنوب. فإذا كانت العلاقات -وفق الصحفي السوداني- "يسودها الطابع السلمي والتبادل المنفعي والاقتصادي فتكون علاقة سلسة تحل فيها جميع القضايا الخلافية، أما إذا كانت العلاقة عدائية فستفتح الباب للأزمات وتكون عامل توتر وحينها سيتم التعامل مع الجنوبيين في الشمال على أنهم عملاء وجواسيس للدولة الجنوبية، وكذلك مع الشماليين في الجنوب على أنهم عملاء وجواسيس للشمال". وأكد بلال أن "من الضروري الإبقاء على علاقة سلمية بين الدولة المستقبلية في الجنوب وجارتها الشمالية وحينها ستتم معالجة جميع الخلافات، ولكن في ظل التوتر وسوء الظن فلن تحل هذه المشاكل".