استبعد مراقبون سياسيون حدوث تلاق حقيقي بين دولتي السودان وجنوب السودان بما يسمح لهما بوقف حرب غير معلنة ظلت تؤطر علاقتهما المتأرجحة. ورجحوا في الوقت عينه عودة الاتهامات -ولهجة التهديد- المتبعة بين حكومتي الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت لحين معالجة مصير منطقة أبيي والحدود المتنازع عليها ودعم المتمردين في بلديهما. لكن المراقبين توقعوا حدوث انفراج "وقتي" ريثما يعودان إلى مربع الاتهامات والخلاف، داعين لإيجاد حلول متكاملة تجعل من السلم بينهما أمرا ممكنا. وكان وزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي ومدير جهاز الأمن والمخابرات محمد عطا حملا إلى الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت رسالة من الخرطوم "تفند" فيها شكواها حول دعم الجيش الجنوبي للجبهة الثورية المتمردة بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الشماليتين. ولم يجد المتابعون للوضع بين الخرطوموجوبا غير وصفه بالوضع السائل المرشح لقبول كافة الاحتمالات. طريق مسدود فالكاتب والمحلل السياسي محجوب محمد صالح يرى أن الأحداث التي شهدها السودان مؤخرا تنبئ بأن الأزمة بلغت مداها وأن المعالجات الجزئية الراهنة قد دخلت في طريق مسدود لا يجدي معه التجاهل أو إرسال أية رسائل مطمئنة. ويقول إنه كلما حدث انفراج مؤقت نتيجة لمعالجات جزئية بين الدولتين انفجرت بؤرة من بؤر الصراع الكامن لتنسف كل مجهود بذل "فنعود لمربع الصراع الأول بطريقة أكثر حدة لأننا نصر على تجاهل شمولية الأزمة ونبحث عن مسكنات وقتية باتهام الآخرين تارة وعدم القناعة بالسلم تارة أخرى". ويرى أن الاتهامات التي تبادلها البلدان باستمرار الحرب بالوكالة -التي ينفذها متمردو الدولتين- سيطرت على أجواء اجتماعات اللجنة الأمنية التي جاءت بعد أحداث أم روابة وأبو كرشولا الأسبوع قبل الماضي. ويشير لأن ما يجري في كردفان ودارفور والنيل الأزرق "ليست أحداثا متفرقة بل هي أجزاء من صورة واحدة قاتمة ينبغي النظر إليها جميعا على أنها أعراض لمرض واحد يحتاج لعلاج شامل". ولا يرى صالح مخرجا للأزمة السودانية إلا "بحل يكمن في تغيير شامل ومشروع وطني جديد" متوقعا في الوقت ذاته حدوث انفراج طفيف في الأزمة بين جوباوالخرطوم "ريثما تعود الاتهامات المتبادلة مرة أخرى". تخفيف حدة الأزمة بدوره اتفق الكاتب والمحلل السياسي النور أحمد النور مع غيره في إمكانية تراجع حدة الأزمة بين الخرطوموجوبا. ويعتقد أن الحكومة السودانية لن تذهب بعيدا بقطع علاقاتها مع حكومة الجنوب أو وقف مرور النفط الجنوبي على الأرض والمنشآت السودانية. ويقول للجزيرة نت إن الخرطوم "تعلم أن رئيس حكومة الجنوب يواجه تعقيدات داخلية لا قبل له بها" وبالتالي تعلم عدم قدرته على السيطرة على بعض الجهات الجنوبية التي تدعم متمردي الجبهة الثورية بمكوناتها المختلفة. ويتوقع ارتفاعا وانخفاضا في العلاقات بين البلدين وفق مجريات الأمور والأحداث الأمنية فيهما. أما الخبير في مجال دراسات حقوق الإنسان صالح محمود فيرى أن العلاقة بين الدولتين أصبحت تثير شيئا من الارتباك للجميع "إذ يبدو أن النظامين لا ينطلقان من مصدر قرار موحد". ويستبعد وجود ضمانات أو قراءة واضحة لتحسن العلاقات بين الخرطوموجوبا، مشيرا إلى أنه من الصعوبة الرهان على الحل في وجود أسباب للتوترات كالحدود وأبيي ونشاط الجبهة الثورية. ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن الوضع سيكون مفتوحا على كل الاحتمالات، وقال إنه لا يرى أي مؤشرات لقراءة تطور الأوضاع في الظروف العادية "رغم أن العلاقة بين الدولتين تعاني من وضع سائل لا يحتمل الكثير". المصدر:الجزيرة