حلقة -3- من رسالة للوزير في منتصف التسعينات عندما حل الهلال ضيفاً بمدينة الرياض تحت رئاسة البابا – رحمة الله عليه- ضيفاً على نادي الشباب في البطولة العربية للأندية والتي وصلها بصحبة وفد صحفي كبير ضم وقتها الزملاء ميرغني أبو شنب ودسوقي وعبدالمجيد عبدالرازق وميرغني يونس ومجموعة من الزملاء لا يسع المجال ذكرهم، وبمبادرة من رابطة الإعلاميين بالرياض وعلى شرف البعثة الصحفية المرافقة قُدمت محاضرة عن مستقبل الكرة السودانية قدمها الزميل عبدالمجيد عبدالرازق وتم تسجيل تلك المحاضرة في فيديو لا زلت أحتفظ به وكنت قد قدمته لقناة قوون الفضائية تعميماً للفائدة ولإثراء الحوار إلا أنها لم تُوْلِه أي اهتمام. وكان أهم ما تناولته في تلك المحاضرة ضرورة إعادة النظر في الهيكل الرياضي وكان أهم ما قلته في تلك المحاضرة وقبل سبعة عشر عاماً إن السودان تحت الهيكل الرياضي الحالي لن يحقق أو يجد له موقعاً في الكرة العربية أو الأفريقية على كل المستويات أندية أو منتخبات وطنية والغريب في هذا الأمر أن يحدث هذا على مستوى الأندية بالرغم من أن أبواب استجلاب المحترفين الأجانب فتحت على مصراعيها وملايين الدولارات استنزفت في استجلابهم ولم يتغير الحال الأمر الذي يؤكد أن بجانب عدم أهلية الهيكل الرياضي فإن محنة الكرة السوداية أضافت بعداً جديداً يتمثل في عدم أهلية الإداريين الذين أهدروا كل هذه الملايين ولم يتغير حال الأندية السودانية. إذن فقدان الكرة السودانية للأهلية طوال فترة الفشل الذي أدمنته الكرة لم يعد قاصراً على الهيكل الخرب وإنما تبعه الانهيار الإداري.. ويا للهول سقطت معه الصحافة الرياضية لتصبح من أهم عوامل الانهيار الشامل ليتوج الانهيار بآخر وأهم مرحلة له في الانهيار الجماهيري الذي عبرت عنه هذه الأحداث التي تشهدها الملاعب السودانية ولم تعرفه عبر مسيرتها ليتحقق بهذا الانهيار الكامل (100 في المائة فُلْ مارك). وكذلك كان من أهم ما أوردته يومها عن العلة في الهيكل الكروي الترهل الكمي في البنية الرياضية وتعارض الهيكل مع الأهداف الاستراتيجية لممارسة الرياضة والتي أجملتها في أنها تلعب لهدفين لا يمكن جمعهما في هيكل واحد: أولها أهداف تربوية تستهدف استراتيجياً لتنمية الطاقة البشرية للدولة لبناء المواطن الصالح بغرس القيم الأخلاقية والتربوية فيه التي تستوجب وتستوعب الكم الجماهيري على أوسع نطاق بمفهوم الرياضة لكل الشباب من مختلف المراحل وهي ممارسة قوامها الهواية ولا يجوز فيها التكسب المادي الذي يفسد حتى تخدم أهدافها التربوية والثاني الممارسة النوعية والتي تقوم عليها استراتيجية أي جولة ناضجة لتجميع أفضل المواهب المتاحة من أجل رعايتها على أسس علمية وتوفير المعينات المادية لها لترفع اسم الدولة في المحافل الدولية كواحد من أهم الاستثمارات الحديثة في عالمنا اليوم والتي تتطلب التركيز على عدد محدود من الأندية يتوافق وقدرات الدولة وإمكاناتها لصقل هذه المواهب وهو ما قدمت مقارنة له في الحلقة السابقة. لم يكن يومها وفي ذلك التاريخ دستور للسودان يقدم حلولاً للخروج من ذلك النفق، كما لم تصدر الفيفا لائحة جديدة تصب في ذات الاتجاه. ثم كانت دعوة الجالية بمسقط لي وللإخوة كمال حامد والكابتن مصطفى النقر والكابتن التاج محجوب وطلب مني تقديم الورقة الرئيسية وقدمت بالفعل دراسة متكاملة من 25 صفحة لم تخرج في الجوهر عن ما قدمته في منتصف التسعينات إلا أن هناك مستجدات شهدتها الساحة كانت محل الاعتبار لما مثلته من عوامل مساعدة للخروج من نفق الرياضة المظلم بسبب الهيكل الخرب والتي تتمثل اليوم في أن هناك دستوراً صدر منذ عام 2005 قدم فرصة ذهبية لإحداث ثورة رياضية وكما نحترم الدستور عندما نص على الفصل بين الرياضة الولائية التي خصها بالنشاط المحلي وبين الاتحاد الرياضي الذي يشرف فقط على المشاركات الخارجية ولكنه بقي حبراً على ورق لأن المسرولين عن تفعيله في مجال الرياضة فقدوا شخصيتهم الرسمية لحساب النظام العشوائي وقياداته التي هيمنت كلمتها على الدولة في كل مستوياتها حتى حان الآن وضع جديد عندما أصدرت الفيفا لائحة ترخيص الأندية وقصرت المشاركات الخارجية للأندية من حملة الترخيص وفق الشروط المطلوبة مما سهل للدولة مهمة تفعيل الدستور وإعادة هيكلة الرياضة على نحو جديد يحمل في داخله إحداث ثورة إدارية بجاب الرياضية بعد أن يصبح هيكل الأندية التي يحق لها المشاركة خارجياً يقوم على عضوية حملة الأسهم وليس من العشوائية الجماهيرية المستجلبة للتظاهر والتخريب. وما يجدر ذكره اليوم أنني في مسقط قدمت فاصلاً من تسجيل ندوة الرياض وقلت إن هذه الندوة تنعقد بعد سبعة عشر عاماً والرياضة مردودها صفر على الشمال وقلت: أخشى أن تنعقد ندوة ثانية بعد سبعة عشر سنة أخرى دون أن يتغير الحال. إذن سيادة وزير الشباب والرياضة الاتحادي وأنت تمثل الدولة فهل نتوقع منك ونشهد في عهدك مرحلة شجاعة لم نألفها عبر تاريخ هذه الوزارة وأنت تطلق صافرة البداية لإعادة النظر في هذا الهيكل الرياضي الخرب لتعيد صياغته وقد أصبح الأمر سهلاً بما حدث من توافق بين الدستور ومتطلبات الفيفا، أم إنك ستبقى كالعادة صيداً سهلاً تحت قبضة الإمبراطورية الزائفة المستفيدة من هذا الواقع. ولعلني بهذه المناسبة أشيد بما لمسته من توجه للدكتور نجم الدين المرضي مدير دائرة الرياضة وهو يولي اهتمامه لإعادة الهيكلة وقد سبقه في هذا الأخ عصام عطا الذي أعد دراسة في ذات الاتجاه ولكن لم يكن الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة يملكون الجرأة لرفع راية التحدي من أجل التغيير فأي الطريقين سيكون طريقك هذا ما نريد أن نعرفه في الأيام القادمة.. أواصل.