الشمس.. الشمس.. الشم....س... انفجرت الصخرة من فمك كما تنفجر الآلام من جرح اجتاحه مبضع جراح غبي، كادت أسنانك أن تبرح أماكنها. ولى عنك النوم مشجوج الجبين، ممزق الخطى، ثم سار في أثره كابوس اصلع يضحك بصوت ردئ حتى لحق بالنوم متخفياً تحت عباءته. صارت الشمس مولعة بارتياد خيالك، جفت سماؤها رجاء وصالك، غدت أحلامك مملكة لا تغيب عنها الشمس.. صارت الشمس تطلبك في بزوغها بزوغ آمالك، وكثيراً ما ناجيتها: ليتني كنت شعاعاً منك، أفاخر ذوي الأحساب بانتمائي إليك، وأنأى عن الحوالك بارتقائي إلى عليائك.. تزودك الشمس في منامك فتشحنك بالدفء والحياة.. من عينيك.. تطلع الشمس مكللة بالبهاء وحينها تأخذ الحيرة إنسان عينيك ويعزب عنه الإفصاح حتى لا يكاد يفقه قولاً.. تطلع فتصبغ وردتي عينيك بناصع البياض، وتغرب الشمس فتأوى إليهما فتمنحهما السواد، وتطفئ فيهما حرارتها، فتعود كل واحدة منهما كعين حمئة.. أيتها الصغيرة، الحبيبة أيتها الشمس.. ما كنت يوماً معرقاً في حبها ولكنك حديث عهد به.. الشمس.. الشمس.. تصرخ روحك وينبض قلبك، الشمس.. الشمس.. كم كنت تود أن يمتد حكمها حتى يجاوز حدود مملكة الليل - ويستوي على عرشها.. الشمس.. وأخيراً غادرت وطنك.. قلت لصديقك: سأذهب إلى مكان آخر لا شمس فيه. قال لك صديقك باسماً: أتترك وطنك للشمس. قلت متأففاً: «جدادة الخلا، طردت جدادة البيت».. ٭ أجل.. الشمس رعناء كالدجاج، احداهما تنقر الحب والخبز، والأخرى تنقر الروح، وتفقأ عين النشوة.. أنت تذكر جيداً عندما سألك أستاذك: .. لم لا تظهر النجوم ظهراً.. قلت مجيباً: لأن الدجاجة السماوية تلتهمها نجمة نجمة كما تلتهم الدجاجة الأرضية حبوب القمح والذرة حبة حبة.. ولأن الدجاجة السماوية مصابة بعسر الهضم فهي تلفظ ليلها وجبتها النجمية ثم تولى الأدبار متوارية بالحجاب.. أنت تكره الدجاج وتكره بيضه مقلياً ومسلوقاً، تكرهه لا للزلال الذي ينتج عن الإفراط في أكله. ولكن لأنه يذكرك بالدجاجة الكبيرة. تلك التي يدعونها الشمس. كنت للشمس شانئاً، تذكرها فتمتلئ بشرتك بثوراً وثآليل، ويكتظ لسانك بأخاديد شوهاء.. أتذكره.. السادن الوثني، زهر رقيع إمعة في الزهور هو.. أذل من شحاذ، ومن دول العالم الثالث ومن مواطن في وطنه.. الطاعة العمياء وشيمه.. عطره - ذاك الشقي - كم أدمى سالفة النسيم، وبعثر ذاكرة الصباح.. عباد الشمس عند دكان «سعد» حيث يجتمع الفوليُّون حذرت صحبك كثيراً: إياكم وزيت السادن.. إياكم وزيت الرقيع.. حذار من زيت عابد الدجاجة السماوية.. عباد الشمس.. ما يزال جسدك مزدانا بآثار سياطه.. قصدت حقلاً لعباد الشمس.. كالحجاج صحت: إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لعدوها.. لم تكن يوماً لها صاحباً.. اقتحمت معبدها.. قطعت صلاتها وقطعتها.. مذبحة للعطر كانت وللقداسة. أيضاً وللزيت.. جاء خفير الحقل، بأغصانها ألهب ظهرك.. سال جسدك دماً وزيتاً رقيعاً، وفاحت منك رائحة عباد الشمس.. أما رأسك فأمره عجب.. في الصباح يمم ناحية الشرق.. أما ناحية الغرب فيممها في المساء.. هأنت ذا في هذا البلد الأوربي تخرج الكراسي والمناضد ناظراً للشمس في استجداء مخزٍ، وضراعة وضيعة، آملاً ألا تبرح عرشها البلقيسي.. تخرج الكراسي دائماً زائدة على عددها المقرر، وعندما كان رئيسك في العمل يسألك: لم ذلك.. لمن هذا الكرسي؟ كنت حينها تنظر إلى الشمس في تملق عليل قائلاً: «للشمس.. الكرسي للشمس.. منيتي وعشقي..». لتفوح رائحة الكذب من فمك كالشلو الطريح.. ساعتها كانت الشمس تضحك حتى ترتجف أشعتها ويتساقط دمعها الضوئي.. أتذكر حينما قررت أن تحارب الشمس ما وسعتك الحيلة.. وبدأت بحرفها الأول.. الشين.. حلقت شعرك وشعور إخوتك.. لم يكن لإخوتك ولا لشعورهم من جريرة، سوى حرف الشين.. فماذا كان عاقبة ذلك؟ خرج إخوتك حليقي الرؤوس في يوم قائظ.. ثم.. ثم.. لا شيء.. فقط أصيبوا بضربة شمس. كنت تود لو تقتلع الشمس من كبد السماء.. الشمس هذه البالوعة التي تلوث وجه السماء وأديم الأرض بالضوء المنتن، كنت تصمها بالفدامة وتشبهها بالعنكبوت تارة وبالأخطبوط.. فأي ممخرق أنت وأي كذاب.. (4) أتذكر حين فسخت خطوبتك من «أمل»، «أمل» التي أحببتها كثيراً كان حدثاً ارتعش له بدن البلدة.. مأفون.. أخرق.. هكذا رموك بألفاظ كالجنادل.. سألتك أمك بحسرة: لم فعلت ذلك يا بني؟ أجبت أمك: هي السبب قالت أمك: من.. «أمل»؟ أجبت أمك: هذه.. كنت حينها تشير بأصبعك مصوباً إياه في قوة وحنق إلى السماء.. كأنما تود أن تطعنها به طعنة تمزق منها الإهاب وتفري الجلد.. ... وكيف ذلك.. سألتك أمك ونظراتها معلقة بالشمس.. ... نعم هي السبب.. كل الذين جاءوا مهنئين بالخطوبة كانوا يقولون لي: ... هنيئاً لك.. لقد أدركت الشمس.. غداً تزف إلى شمس البلدة ما أسعد جدك.. فزت بالنور كله.. قريباً تشرق الشمس من دارك.. عندها علمت أن ما أسكرني من حسن «أمل» وطلاوتها لم يكن سوى أضغاث أحلام، وترهات مجنون، أكانت «أمل» تكتنز كل هذه الدمامة والبشاعة والفظاعة وأنا عنها أكمة عمٍ، بعيني غشاوة وسمادر «أمل» تشبه الشمس، إذن ما أبشع «أمل».. أأهرب من الشمس ثم أخطبها بعد ذلك.. غباء مني إن فعلت وفدامة... لذا فسخت خطوبتي من «أمل» فسختها من الشمس.. أرسلت لأهلك خطاباً تقول فيه بعد كلام.. «خالص أشواقي وجزيل اعتذاراتي ل «أمل».. ترى هل ما تزال كالشمس إن تكن كذلك.. فليكن منكم رسول يخبرها ان في القلب توقاً لأن يكون مطلعها ومتبوأها، أريدها لي شمساً تضئ أركان الفؤاد وتمحق جبروت الصقيع.. ٭ مثل سوداني