فى الأسبوع الماضى فى العاصمة اليوغندية كمبالا ، عقدت قمة الإتحاد الأفريقي الخامسة عشرة وبعد ثلاثة أيام من المداولات والجدال خُتمت الجلسات ، حيث تم فيها استعراض 13 تقريرا حول التنمية الزراعية والأمن الغذائي والتعاون العربي الأفريقي والعلوم والتقنية، وقد شمل الاستعراض نتائج المؤتمر الثاني لوزراء الاتحاد الأفريقي المعنيين بقضايا الحدود بين الدول ، وقد أُختتمت القمة بإصدار البيان الختامي الذى حوى العديد من التوصيات حول القضايا والمواقف التى تشغل بال دول القارة وشعوبها مثل الموقف الموحد بخصوص توسيع العضوية في مجلس الأمن الدولي والمعروف باسم توافق «اوزولويني» والذي يدعو إلى حصول القارة الإفريقية على مقعدين دائمين فى مجلس الأمن مع امتلاك حق النقض «الفيتو» مثل الدول العظمى ، كما تم التأكيد على أهمية تعزيز الحوار والتعاون واحترام التنوع في مجال حقوق الإنسان ، كما دافعت القمة عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وأعربت القمة في بيانها الختامي أيضا عن قلقها من أن الجماعات المسلحة و»المتمردة» خاصة «جيش الرب» في شمال أوغندا وجماعة «شباب المجاهدين» في الصومال تُشكل تهديدا للاستقرار في وسط وشرق إفريقيا ، كما نال المقترح الخاص بتحويل مفوضية الاتحاد الإفريقي الى سلطة الاتحاد الكثير من الجدل داخل أروقة القمة ، إذ أظهرت المناقشات تباينا في وجهات النظر بين دول مجموعة الساحل والصحراء ودول الجنوب الإفريقي وشرق إفريقيا ، و قد رحبت القمة بالتقدم الذى أُحرز في تنفيذ توصيات القمة الخاصة للاتحاد الإفريقي والتى عُقدت حول قضايا النازحين واللاجئين داخليا في العاصمة اليوغندية كمبالا في أكتوبر 2009م. لقد سجل بعض الرؤساء الأفارقة غياباً عن القمة مثل الرئيس المصري محمد حسني مبارك والرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا ، وهذا الغياب بلا شك سيؤثرعلى الخروج بنتائج مهمة في بعض القضايا مثل الإضطرابات التى تعيشها الكنغو الديمقراطية ، ولعل غياب الرئيس مبارك يُثير أكثر من سؤال خاصةً فى ظل إحتدام مشكلة مياه حوض النيل هذه الأيام مع بعض الدول العضوة فى الاتحاد . والسؤال الذى يطرح نفسه هنا ، هل هناك أملٌ فى أن يطبق القادة الأفارقة ما اتفقوا عليه فى بيانهم الختامى والإلتزام بتنفيذ التوصيات التى حواها البيان لتخرج أفريقيا من واقعها المأزوم والمُتشح بالمرض والتخلف والجهل؟ وهل سيكون مصير هذا البيان الختامى أفضل من البيانات التى سبقته ؟ فى رأينا و للأسف الشديد ومن واقع وراهن الدول الأفريقية ، ستظل اجتماعات القمم الأفريقية مجرد بروتوكولات دبلوماسية لا تُسمن أو تُغنى جوع الأفارقة للأمن والسلم والحرية والحياة الكريمة، وقبلها جوعهم للقمة العيش وكسرة الخبز ، هم الذين تملك بلادهم الذهب والماس والبترول والموارد الطبيعية غير المحدودة … وسيبقى الأفارقة يرسفون فى الأغلال التى ظلت تصنعها الدكتاتوريات وتصفد بها رقابهم وأرجلهم ، زماناً طويلاً ، إلى أن يقيض الله لهم رؤساء وحكّاما عدولا يخرجون من رحم معاناة الشعوب الأفريقية فيفكون أسرهم ويقيلون عثرتهم . علة أفريقيا وداؤها العُضال هما حكامها ونخبها السياسية.. الذين اختزلوا مفهوم الحكم والسياسة في تحقيق أهدافهم ومصالحهم الخاصة والبحث عن أمجاد شخصية لاتمت بصلة لسيرة الحكم الرشيد وسياسة الناس كما هو معروف ومعلوم مما أرفدته النماذج والتجارب في دول أخرى .. فطفقوا ينهبون الثروات الوطنية ويمارسون أبشع نماذج الاستغلال للنفوذ والفساد والمحسوبية فأفقروا الشعوب ، بل إن الواقع يقول إن الويلات التي ذاقها الأفارقة على أيدي حكامهم أسوأ وأكثر وطأة من تلك الويلات التى ذاقوها على أيدي المستعمرين الأوروبيين الذين اجتاحوا القارة في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين ، إذاً فهم جزءٌ أصيل وسبب أساسي في ما ظل يحيق بالقارة وشعوبها ، فكيف يحلون أزماتها ومشاكلها وهم أُس بلائها ووجودهم فى سدة الحكم هو البلاء بعينه؟ ولهذا فإنه لا طائل من وراء هذه القمم فهي مضيعة للوقت ومجرد إهدار للموارد الشحيحة للدول التي تستضيفها . لاينصلح الحال في أفريقيا إلا بإصلاح حال مؤسسات الحكم وافتراع دساتير تفرز قوانين تحمل في طياتها معايير تحدد من يحكم وكيف يحكم ؟ ونتحدى لو أن هكذا أمور ستناقش فى قممهم هذه!! أو إدراج بند لمحاربة الفساد فى أجنداتها ، اليوم أفريقيا تعج بالدكتاتوريات من معززي أساليب الحكم الباطشة ومصادري الحريات ومروجي العنصريات وقامعي المعارضين ومُكممي أفواهم إلى آخر قوائم الذل في التعامل اليومي مع الشعوب الأفريقية والتي أصبحت وصمة عار في جبين القارة على مستوى العالم ، أين ما حل الأفريقي ذكَّره بها الآخرون ، اليوم دول أفريقيا تتصدر قوائم تقارير الفساد التي تعدها مؤسسات ومنظمات عالمية معنية بهذا الشأن .. وتتذيل تلك التقارير التي تتحدث عن التنمية وعلو الكعب في مضمار العمل الإنساني القيم والحكم الراشد والقاصد.... وكل هذا بفضل الحكومات الأفريقية الفاشلة والتي أخفقت في إعلاء قيم الحكم الرشيد.. لا نتفاءل خيراً ولانستبشر فضلاً بأن تفعل القمم الأفريقية شيئاً من أجل أفريقيا وإنسانها طالما يتربع على قممها أمثال هؤلاء القوم ، لكن ورغم هذه النظرة المتشائمة للدول الأفريقية ، إلا أن هناك بصيصاً من أملٍ فى أن ينصلح الحال خاصة بعد النتائج التي حققتها كل من جنوب أفريقيا ودولة نيجيريا وإلى حدٍ ما كينيا في محاولاتها لإصلاح نظم الحكم فيها ، وقد نجحت جنوب أفريقيا كثيراً في ذلك خاصة بعد الجهود التي بذلتها في تنظيم وإخراج بطولة كأس العالم فحازت على إعجاب الجميع وكسبت الاحترام وأسعدت شعبها ، وأسعدت حتى باقي شعوب أفريقيا جميعاً إذ منحتهم آمالاً بأن تجاوز هذه المحن والكوارث أمرٌ ممكن الحدوث .