هاشم صديق صاحب اشكال جمالية وتعبيرية في شعره، يستشهد بالكلمات كمناضل مثقف، ويقدم اشعاره في خطاب رؤيوي طليعي لا يميل للخطابية او الشعاراتية، فهو قامة شعرية مسكونة بالأمل، وذلك في ديوانه الزمن والرحلة: حاجة فيك تقطع نفس خيل القصايد وتشده أجراس المعابد تعبتني وجننت حرف الكلام وبرضو أدتني السلام وهاشم صديق نلحظ الامل في كلماته برغم التعب، وبرغم ان حروف الكلام تجننت لديه، وهذه صورة شعرية لا تأتي الا من فنان حذق ادواته الشعرية الى ان يصل للسلام. وهاشم في مجاله الشعري يعطيك تفاصيل شعرية لأنه يتخندق في الحياة مع ابناء الحياة بتفاصيلها الدقيقة، وفي حاجة فيك ايضا يقول: حاجة زي نقر الأصابع لما ترتاح الموسيقى حاجة زي أخبار تناغم من جريدة حاجة زي وتر المواني لما يصدح لي سفينة وفي الأبيات السابقة نجد ما يستبطن ذاكرة هاشم صديق من جمال وموسيقى في فهم دقيق لايماءات وحركات النفس المسكونة بالابداع استجابة لوتر الموسيقي.. وهاشم صديق سجل لمسارات انسان مبدع، فهو ينقر بشعره على وتر القلوب والضمائر، وهو قادر على السيطرة على ادواته مراهنا على الشعر والمسرحية والكتابة النقدية، وعلى وعي الجمهور المتلقي، وعلى حبه للوطن، ونطالع في لاوتن عندما كان بالمملكة المتحدة ان كتب: ابصق على الحب المصنف زي ملايين البضائع ابصق على الكذب النسف في الدنيا تاريخ الروائع تضحك على ابر المطر ويصفعني في وشي الجليد ونجد ان العقل هو قائد الشاعر هاشم، وفي ملاذه الشعر يجد المعادل الموضوعي الذي يجعله يبصق في وجه الاشياء المصنوعة، ويبتعد عن الاستلاب الثقافي، ويستمسك بما هو أصيل وتشبع به، وبرغم الغربة والشجن والبعد عن الوطن، لكنه لم يصبح مصطفى سعيد، ولكنه كان هاشم الذي لم يفتتن بمدن الجليد وفي قصيدته لاوتن يذكر: تبكي الرسايل في حضن حبر القلم وأرحل مع الورق المسافر في صناديق البريد وأرجع أفيق القاني ضايع في مجاهل غابة اللون والحديد ويتساءل الأستاذ هاشم صديق وقد حركه الناقد الذي يشكل الجزء الثالث من شخصيته التي تتكون من ثلاثة مسارات كاتب ناقد ومسرحي وشاعر، وكلها تلتقي في انها بصمة هاشم صديق ورأيه بوصفه مثقفا له قصب السبق والاقتحام لمجالات هو فارس فيها يحمل القرطاس والقلم «كيف يمكن أن يكتشف او يعلم أديب او فنان اين يقف على ارضية زمانه الثقافي» كما يقول هاشم، ويقول «أحياناً اضع شعري في مواجهة وعي بمنظور الناقد المتخصص» الى ان يصل الى «ان مثل هذا النقاش مثل سمر النفس مع النفس او سمر النفس مع الاصدقاء، ولكنه ان تجاوز ذلك الاطار الى صحيفة او مجلة فإنه لن يفهم». اقول للاستاذ هاشم صديق ان امثالك من الشعراء في الوطن العربي يُحتفى بهم من السلطة واجهزة الاعلام، ويعتبرون من الخبراء في مجالهم، فهذا تواضع صوفي منك.. ويجب ان تطرح تجربتك بمنتوجها الابداعي للدراسة والتحليل، وان تحتفي بك المنابر والصحف، وذلك لعطائك ومنتوجك الابداعي ليس الا، وانا بصفتي مهتماً بذلك اطرح مبادرة للمهتمين لمناقشة هاشم صديق والشعر.. وهاشم والمسرح وهاشم والنقد، ونطرح كل تخصص وتتم قراءته ودراسته وتحليله وفق المعطيات الفنية لأي مجال طرقته، ولنناقشك بوصفك صاحب «جلد ورأس» في المنتج... لنتفق ونختلف معه، وانا اقول ان هاشم هرم من اهرامات الشعر السوداني، وصاحب تاريخ درامي أسهم في تشكيل المسرح السوداني، وبرغم كتاباته النقدية الممتازة ولكنه لم يجعلها كالشعر والمسرح لديه.. ونجد هاشم صديق قادراً على قراءة الواقع الثقافي وحراكه، وقصيدته «شكراً جزيلاً» في ديوانه ميلاد تعبر عن ذلك: شكراً جزيلاً للخناجر للمغايس للمتاريس للدسائس للطريق لا من يضيق للوجع سوى البدع وفي أشعاره سوسيولوجية تبلور الوعي الاجتماعي للامة السودانية، فالبناء الفني لقصائده يدور حول ابعاد فنية وجمالية ومعرفية. ويتجلى ذلك من خلال قصيدته أحبك: أحبك في الكتب أقراك وفي نبض الزمن أحياك وفي الناس والبلد ألقاك وأحسك واحة الأيتام وشيلة خطوة لي قدام ويقظة حقيقة ما أحلاك ونتلمس عظمة هذا الحب ان كان بالفهم القريب لمحبوبة، وإن كان بقراءة ظلال الحروف والمعاني للوطن الجميل الذي يسكن هاشم صديق، ونجده كذلك في آخر الكلام يناقش بمعرفة ورؤية فلسفية، ويقيم الأشياء ويقول: اسأل محطات الزمن عن أسفي في موت الصحاب عن حظي في فقد الهوى عن دربي في الدنيا الخراب اسأل تجاربي مع الزمن وافتح مراثيهم كتاب وفي الأبيات السابقة يؤسس لخصوصية هوية للكتابة الشعرية بصور شعرية تملك التصور الدرامي في نسق القصيدة في سياق ثقافي ملئ بخطاب بنائي للنص الشعري، ويمتلك هاشم ناصية بناء النص الشعري بصورة مدهشة، ويتجسد ذلك في قصيدته اضحكي: ضحكك شرح قلب السما لون سحاب كل الفضا هز وتر الازمنة رطب الصحرا ولمس عصب الجبل ودر الحزن المهاجر في المقل صحا أسياف الأغاني وبارك النيل والسهل ونلاحظ تصاعد حالة الضحك، والضحك هنا رؤية فكرية، ويتضح ذلك في الأبيات التالية: ضحكك وصول حزمة رسايل من أهل اضحكي يغسل النغم المآسي تهدأ امواج القواسي تلمس الناس المحنة ويرجع الحب لي زمنا وتحضن السفن المراسي فمما سبق نجد اشعار هاشم صديق معاناة وحباً وعلاقة مع الحياة، وصراعاً يمتد ويتمدد في سموات هاشم صديق شخوصا وازمنة حيوية وماضيا وحاضرا وازمنة قادمة، لأن شعره صادر عن نفس شفيفة ترتكز على فهم معرفي للحياة. وفي الحياة غير الشعر والمسرح طرق طُرق البحث والتوثيق. وقد كانت ايديولوجيا هاشم صديق في اشعاره وكتاباته هي ايديلوجيا الواقع الاجتماعي التي تستهدف المواطن السوداني، وهذه الايديولوجيا يعبر عنها السياسي حسب وجهة نظره والصحافي كذلك، لكن هاشم صديق يمتلك الادوات المعرفية الثقافية التي تختزل الاشياء بصورة فنية في بيت شعر او مشهد مسرحي يوازي خطباً سياسية عديدة او كتباً كبيرة. وقد أسس هاشم صديق لشخصه مدرسة شعرية ومنهجاً في الكتابة امتد لمدة اربعين عاما، بدأه في بداية الستينيات بالملحمة، ومازال يواصل النقش بالأحرف على الجدار والحجر والورق، وفي ذاكرة عارفيه ابداعا والقا فنيا.. نتمنى له دوام الصحة والعافية، ومزيداً من الشدو الجميل يا أروع المغنين.