إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها البلاد من حرب في دارفور ومواجهة استفتاء لتحديد مصير الجنوب إما إلى وحدة أو انفصال وغير ذلك من أوضاع الشرق وخلافه من الولايات، جعلت الحكومة في موقف لا مناص من مجابهته، إذ بحسب رأي كثير من الخبراء فإن معظم الإشكالات التي تعيشها البلاد مردها إلى الفقر وقلة التنمية، لذا يرون أن الحل يكمن في بسط أسباب الاستقرار التي قوامها التنمية المستدامة والمتوازنة. ولما كان هاجس إخماد نيران الاقتتال والاحتراب في دارفور من أكبر الإشكالات التي تعمل الحكومة ما في وسعها للتخلص منها، لم تتوان الحكومة في تخصيص مبلغ مليار وتسعمائة مليون دولار لتنفيذ مشاريع تنموية في إطار استراتيجيتها الجديدة التي تبنتها، وذلك بخلاف تكلفة طريق الإنقاذ الغربي التي تبلغ «304» ملايين دولار، وأشارت وزارة المالية إلى أن المبلغ الذي رصدته سيتم توجيهه لإنشاء وتعبيد طرق جديدة، والنهوض بالقطاع التعليمي والصحي بولايات دارفور الثلاث، غير أن ثمة تساؤلاً يقفز إلى الذهن من واقع توقيت تخصيص مبلغ «1.9» مليار دولار بعد مضي أكثر من نصف العام على الموازنة المعتمدة من قبل الدولة، فمن أين لوزارة المالية والحكومة توفير هذا المبلغ؟ هل سيكون خصما على بنود صرف الموازنة المعتمدة؟ أم أنه سيكون ضمن المقترحات لموازنة العام القادم 2011م؟ أم أن الحكومة ستطرق أبواب الاستدانة والاعتماد على القروض من صناديق الإعمار والتنمية وبعض المانحين؟ يرى الدكتور عبد العظيم المهل المحاضر بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، أن أساس مشكلة دارفور اقتصادية بحتة قبل أن تكون سياسية، وربما جاء حلها عبر تبني منظومة إنشاء مشاريع تنموية كثيفة لتشغيل أكبر عدد من مواطني الإقليم، بجانب الاهتمام بالبنيات الأساسية في قطاع الطرق والمواصلات، علاوة على الارتقاء بالقطاعين الزراعي والصناعي، لا سيما الأخير لما يتميز به من ميزات تفضيلية تتمثل في قدرته العالية على استيعاب عدد أكبر من الأيدي العاملة. ويرى المهل أنه إذا ما تم تنفيذ مشاريع لاستيعاب وخلق 500 ألف وظيفة أو فرصة عمل لأهالي دارفور، فإننا بالتالي نكون قد أسهمنا في استقرار ثلاثة ملايين منهم، بحسبان أن متوسط الأسرة هناك ستة أفراد، بشرط أن يعمل على تنفيذ مشاريع صناعية ذات صلة وشيجة بالموارد الزراعية والطبيعية التي تزخر بها المنطقة، بغية إنهاء حالة العطالة المتفشية بالاقليم، ومن ثم التمرد. ويرى دكتور المهل أن معظم المنخرطين في صفوف القوات المارقة على الدولة والقانون قوامهم من العطالين عن العمل الذين من بينهم خريجو جامعات ومعاهد عليا لم يجدوا موطئ قدم في سلك الخدمة الوظيفي. وأشار المهل إلى ضرورة الاهتمام بالتمويل الأصغر باعتباره وسيلة سريعة وفعالة في مكافحة الفقر الذي هو أساس كل بلاء، غير أنه اشترط أن تكون هذه المشاريع ضمن سلسلة خطة شاملة ومتكاملة للنهوض بكافة أرجاء البلاد وليس دارفور فحسب، على أن يكون تنفيذ الخطة ممرحلا، وأن تعطى الأولوية لدارفور، ومن ثم الانتقال في الأعوام القادمة إلى بقية الولايات حسب نسبة الفقر في كل منها، حتى يتم التوصل إلى التنمية المستدامة المنشودة، حتى لا يكون إطفاء نيران الحرب والاصطراع في دارفور مدعاة ومحفزا لنشوب أخريات في الولايات الأخرى التي تعاني من الفقر والتهميش وضعف التنمية. وعن توفير المبلغ الذي خصصته وزارة المالية لتنمية دارفور يقول المهل إن المالية تستطيع توفيره على حساب بنود في الموازنة الحالية، غير أن لذلك آثاره الاقتصادية السالبة، وإن كانت لا محالة هي فاعلة فيرجو المهل أن يكون ذلك على حساب موازنة الأمن والدفاع والرحلات الخارجية والاحتفالات ومخصصات الأجهزة السيادية الاتحادية والولائية، عبر ترشيد أوجه صرفها. ويواصل أن الوضع الطبيعي ألا تستطيع المالية توفيرالمبلغ الآن إنما يمكنها تضمينه في بنود موازنة العام القادم 2011م، إلا أنها تملك عملات حرة من مصادر اكتشاف آبار نفط جديدة ربما تم استغلال بعضها بإقليم دارفور نفسه، أو من خلال القروض والمنح والهبات من الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات الدولية والطوعية، أو أن تلجأ للإيفاء بالمكون المحلي عن طريق الاستدانة من النظام المصرفي، وفي ذلك يقول المهل خطر عظيم على الاقتصاد الكلي للبلاد. أما الدكتور محمد الناير فيقول إن الجزء المخصص لتنفيذ ما تبقى من قطاعات بطريق الانقاذ الغربي كان أصلا مدرجا في موازنة عام 2009م وتم ترحيله إلى 2010م، بمعنى أنه مدرج في الموازنة ولا إشكال في ذلك، أما مبلغ ال 1.9 مليار دولار الذي تم تخصيصه أخيراً فلا شك أن الحكومة اعتمدت في توفيره على اتفاقيات مع صناديق ومؤسسات التمويل العربي أو الخارجي مسبقا، وان تحمل تكلفتها لا يكون البتة على حساب الموازنة الحالية. ويمضي بأن هناك العديد من الاتفاقيات ابرمتها الحكومة مع جهات تمويل خارجية لإقامة مشروعات تنموية بدارفور لم يتم تنفيذها بسبب الحرب وعدم الاستقرار، غير ان التزاماتها مازالت قائمة مع الممولين. وطالب وزارة المالية بتسريع خطى التنمية بالإقليم حتى يتم التوصل إلى السلام الشامل والنهائي بدارفور، على أن تكون الأولوية للمشاريع الزراعية والصناعية، والنهوض بالثروة الحيوانية، واستغلال الموارد الطبيعية التي تزخر بها دارفور، واستغلال خيرات باطن أرض دارفور حتى يتسنى النهوض بدارفور. ودعا لاستكمال ما تبقى من طريق الإنقاذ الغربي القاري حتى يسهم في إنعاش الإقليم. وغير بعيد عن إفادات سابقيها قالت الدكتورة نجاة يحيى المحاضرة بجامعة شرق النيل، إن وزارة المالية ليس بإمكانها توفير المبلغ الذي خصصته لمشاريع التنمية بدارفور، إلا إذا كانت لديها أموال مجنبة من إيراداتها. وقالت إنها تأمل ألا يكون الإعلان عن تخصيص هذا المبلغ من أجل الكسب السياسي، وتنمت أن تجد الأموال طريقها إلى النزول إلى أرض الواقع حتى ينعم إنسان دارفور بالاستقرار والتنمية. ودعت إلى أن تكون أولى الخطوات إنفاذ مشاريع العودة الطوعية للنازحين حتى يعودوا إلى قراهم، وذلك ببناء قرى نموذجية مزودة بكافة الخدمات الأساسية، ومن ثم الالتفات إلى تمويل المشاريع الزراعية والصناعية، وتنفيذ البنيات التحتية الضرورية.