على غير العادة نظمت حركة الأخوان المسلمين افطارها السنوي بالنادي الدبلوماسي بحي المطار بدلاً من اقامته في دارها بضاحية العمارات شارع «33» مثلما كان في السنوات السابقة غير ان الامر الجدير بالانتباه هذا العام هو مبادرة الاخوان المسلمين بقيادة البروفيسور الحبر يوسف نور الدائم بدعوة الجناح الآخر للجماعة «الاخوان المسلمون-الاصلاح» بقيادة الامير ياسر عثمان جاد الله للافطار.. الامر الذي قد يحمل العديد من المؤشرات والدلالات ويأتي في مقدمة ذلك ان العلاقة بين الطرفين تشهد بعض التحسن او هكذا اراد لها منظمو الافطار ان تكون رسالة لوحدة اجنحة الاخوان المسلمين في شهر رمضان باعتباره شهراً لوحدة المسلمين وتوافق صفوفهم!! لكن.. ما مدى صحة هذا الامر وتطابقه مع الواقع الحقيقي خاصة وان امير جماعة الاخوان المسلمين-الاصلاح ياسر عثمان جاد الله يبدو وكأنه يريد قيادة هجمة مرتدة ضد رسالة انداده ورصفائه من جماعة الحبر يوسف نور الدائم فبالرغم من إقرار الاول بانه تسلم دعوة لتناول وجبة الافطار بالنادي الدبلوماسي امس الاول الا انه في ذات الوقت يقطع بعدم تمكنه من حضور المناسبة التي جمعت كافة الوان الطيف السياسي والديني واستوعبت قادة المؤتمر الوطني والشعبي وانصار السنة وهيئة شؤون الانصار.. و.. هلمجرا. ويورد عثمان جاد الله سببا يراه في غاية الاهمية وهو ارتباطه المسبق باستضافة بعض الاخوان والاخوات على مأدبة الافطار بمنزله بالعيلفون وذلك في نفس الوقت الذي يشهد فيه النادي الدبلوماسي افطار الجماعة «الام»!! حسناً.. لكن الا يعتبر ما اوردناه نوعاً من وجود التباين والتباعد بين الجماعتين اللتين دخلتا في مشروع للوحدة والاندماج في كيان تنظيمي موحد بدلاً من وجود جناحين يحملان ذات الاسم والمبادئ التي مردها ومرجعها تعاليم الامام المؤسس الشيخ حسن البنا كما يردد الاخوان المسلمون في جلالاتهم واشعارهم بيتاً من النشيد المشهور: ان للاخوان صرحا كل ما فيه حسن لا تسلني من بناه انه البنا حسن وعلى خلفية مشروع الوحدة دعوني اقول ان بداية مرحلة التقارب بين الطرفين كانت قبل اكثر من عامين تقريباً وتكون لها لجان مشتركة تعمل على طرح واستعراض القضايا محل الخلاف في التحاور والنقاش حولها وصولاً للوحدة الشاملة التي بدأت بتنسيق المواقف والبرامج والانشطة في قطاعات المرأة والبرامج الدعوية والطلاب.. ولعل الجميع يذكر التيار الاسلامي بجامعة الخرطوم كذراع وواجهة طلابية جمعت اطراف الاخوان المسلمين بطلاب السلفيين. والشاهد ان اللجان المشتركة قطعت شوطاً متقدماً في ملف الوحدة ولم يتبق إلا القليل من نقاط الاختلاف التي تشمل فيما تشمل وجود القيادي السابق للجماعة الدكتور عصام احمد البشير الذي لم تكن مجموعة ياسر عثمان جاد الله ترغب في الابقاء عليه داخل الجماعة بسبب ما تعتبره نزوعاً من الرجل وهرولة نحو المؤتمر الوطني من أجل الاستيزار على حساب المصالح العليا للجماعة.. بجانب التحفظ على طبيعة وطريقة مشاركة الاخوان المسلمين في اجهزة السلطة والحكم بالاضافة الى الالتزام بالعمل المؤسسي طبقاً لمقتضيات الشورى والاجهزة التنظيمية، واخيراً اجراء التعديلات على النظام الأساسي للجماعة بالرجوع الى الدستور المتفق عليه قبل العام 1991م وهو تاريخ آخر مؤتمر اعقب الانشقاق الشهير الذي ادى الى انقسام الحركة بين مؤيدين لمجموعة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد وتيار الشيخ سليمان أبو نارو والذي جنح نحو السلفية وتبنى الافكار المتطرفة والمتشددة في جانب العقيدة والموجهات العامة للدعوة الشيء الذي باعد بينه وبين مشروع الوحدة واقتصارها على جناحين فقط دون الثالث منذ وقت مبكر!! وبالطبع فإن ما ذكر من معوقات اعلاه لم يكن حائلاً امام مؤشرات الوحدة والوفاق الذي أصبح قاب قوسين او ادنى فحسب لكن كيف تتطابق الاشواق والامنيات مع تعقيدات الواقع باجنداته المختلفة.. وهل يمكن ان تكون المصالح السياسية والحزبية عائقاً يجعل الوحدة بعيدة المنال؟! ويبدو زعيم التيار الآخر الشيخ ياسر عثمان جاد الله متشائماً حيال تحقق الوحدة في ظل الظروف الراهنة ويحاول تدعيم قناعته تلك بالكثير من المواقف التي تصاحب وتلازم برنامج جمع صف الاخوان المسلمين. ويعتبر في حديثه معي امس ان تمسك جماعة الحبر يوسف نور الدائم واصرارهم على المشاركة في الحكومة هي القشة التي قصمت ظهر الوحدة باعتبارها امراً محسوماً ولا رجعة فيه بل وغير قابلة للنقاش والتفاوض حوله من قبل المجموعة الأخرى. ويقول إن الحبر قال لهم في أحد اللقاءات السابقة ان الانخراط في منظومة الحكم سفينة أبحرت.. من شاء فليركب ومن أبى فله ذلك. ويضيف عثمان جاد الله في سخرية: كنا نريد ان نعرف الاتجاه الذي سوف تبحر نحوه السفينة وعلى أي شاطئ سترسو!! ويتطرق محدثي الى بعد آخر حول تعثر وتعذر تحقيق الوحدة بين الطرفين نتيجة لما يصفه بالمخاوف والهواجس التي يبديها البعض داخل مجموعة الحبر وبالتالي تحولت القضية من اطارها الموضوعي الى قضية ذاتية شخصية تهم المستوزرين والدستوريين وآخرين داخل تنظيم الحبر يرون ان دخول مجموعة ياسر عثمان جاد الله سيكون خصماً على مواقعهم داخل الحركة ويأتي على حساب وضعيتهم التي ستهتز نتيجة لدخول القادمين الجدد الذين يتمتعون بالحيوية والنشاط -على حد قول جاد الله-!! ربما.. لكن لا يمكن للمراقب لمجريات الاحداث داخل حركة الاخوان المسلمين ان يفصل قضية الاخوان المسلمين عن امتدادها وارتباطها الخارجي والجماعة تقع ضمن تنظيم عالمي ودولي لا تتجزأ منه.. فما هو بالضبط موقف التنظيم الدولي للاخوان المسلمين في مصر مما يدور وسط اخوان السودان؟! يقول ياسر عثمان جاد الله ان التنظيم في البداية اضفى شرعية على مجموعة الحبر نور الدائم التي طالبت ببيعة جديدة خارج صف الجماعة فقبل اخوان مصر ذلك واعترفوا بشرعيتها الامر الذي كنا نرفضه ونعتبره تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية!! ولاحقاً سعينا لاحداث نوع من الوحدة والاصلاح لكننا صدمنا في موقف التنظيم العالمي الذي كان يريدنا ان نرجع فرادى علماً باننا لم نخرج عن صف الجماعة وانما الخارجون هم جماعة الحبر يوسف نور الدائم..!! ربما لا.. فالقضية لها وجه آخر.. ولا يمكن لنا بأية حال من الاحوال عزل او ابتسار عملية وحدة الاخوان المسلمين دون سماع وجهة نظر الجماعة الام.. التي يقف على قيادتها البروفيسور الحبر يوسف نور الدائم وقد كان!! ولكن الرجل يبدي زهداً واضحاً في الخوض في تفاصيل القضية في الوقت الراهن ويقول لي بأن لا جديد في ملف الوحدة وأن الوضع كما هو خاصة مع توقف أعمال لجان الوحدة المشتركة لاكثر من عام. لكن.. الغريب في الامر هو ان قضية المشاركة في السلطة محل الخلاف والنزاع بين جناحي الاخوان المسلمين هي في خانة ومربع التجميد حتى الآن.. ويقول محدثي البروفيسور يوسف نور الدائم ان قضية وزيرهم الدكتور سامي عبد الدائم يسن ومشاركته كوزير دولة بوزارة الضمان والرعاية الاجتماعية ما زالت معلقة ولا جديد في هذا الملف ايضاً شأنه شأن قضية الوحدة مع جماعة الشيخ ياسر عثمان جاد الله..!! عموماً فان المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين الحبر يوسف نور الدائم كما وضح لي من حديثه معي امس الاول لم يغلق باب الوحدة مع الطرف الثاني بالضبة والمفتاح.. لكنه ابقى الباب موارباً وترك مساحة ود يمكن الاحتفاظ بها حتى ولو لم تتحقق الوحدة وذلك حينما يختتم حديثه بصورة لطيفة قائلاً: بيننا وبين الاخوان في الاصلاح الحسنى!! وبالفعل فان الحسنى هي التي جعلت بعض الاخوان في الاصلاح يلبون دعوة الافطار في النادي الدبلوماسي.. ففطر الاخوان المسلمون على مائدة واحدة لكنهم لا زالوا يصومون عن الوحدة..!!