كان الحسين الحسن يكتب قصائده على الرمل وكان عندما يريد كتابة القصيدة يعبر مدينة النهود نهدا إثر نهد يرفعه آل ويخفضه آل في مسيرة ملئها الحداء ما بين الأبيض وخورطقت ومن ظهور اللواري المترددة في الأمكنه كانت تولد القصائد مع شاي البن في قهوة الخوي وإنعدام الماء الذي يبل الريق . وهو ما بين هذا وذاك لا يموت لأن الشعراء لا يذوقون الموت ولا يعرفونه بل يعرفون الحياة من أجل الناس وعيونهم تحدق عبر الزمان في الناس صغيرهم وكبيرهم فقيرهم وغنيهم يعزفون لهم الألحان ويقيمون لهم المراثي، كما كان يفعل المتنبي والأعشى وتأبط شرا . كان الضباب الكثيف يلف المكان والصمت والأسى يملآن كافة الجوانح : كل شئ يمضي وتبقى الأيام مثلما كنا بين ليلي وقيس . والصدى في جوانح البيد ينثال إنثيالا يفيض يملأ حسي .كان الفقراء يترنحون في وجه الحسين الحسن وقد أعيتهم تخمة الجوع ، والجوعى يعانون تخمة غير تخمة المترفين . يا لهذا الفقير ألبسه الدهر خنوعا وقد سقاه عذابه الأطفال الفقراء لا يخشاهم المرح ويلهون كما تلهو العصافير في بستانها وكما يفعل ابناء الأغنياء في طفولتهم السعيدة الهانئة والتي رسمها لهم آباؤهم من تحت أقدام الكادحين والفقراء تعرفهم بأطفالهم : وهنا طفله أمضي به الجوع وزاد الطوى ففض ثيابه بعيون محفورة كقبور لا من خداعة كذابة وخدود يحوم حولها الموت رهيبا مكشرا أنيابه وشفاه شوهاء تمشي عليها كل حين ذبابة فذبابة ودموع تجمدت في المآقي إيه ما أضيع الشباب شبابه ألم أقل لكم أن الشاعر لا يموت ولكنه يراغب الناس ويصنع مع الأموات أكفانهم ويمد يده إلى ضحايا القهر والعذاب : فتعالوا معي نمسح دمع الطفل نمحو إبتئاسه وإنتحابه ونمد الرغيف للأمل الذابل ونحمي دماءه الوثابة ليرى أن الحياة جمال ونواح غير الضني خلابة وتعالوا معي إلي الشيخ نواسيه لينسي همومه وإكتئابه . ولو كانت المصيبة مصيبة هؤلاء لهانت ولكنها مصيبة وطن كان يرزح تحت نير الإستعمار وكان أهله يعانون الفقر والبؤس والشقاء مع الذل والعبودية . أخرسوا حزنه المرير وسروه فإن المصاب ليس مصابه بل مصاب الجميع في قطرنا البائس ولكن غدا تزول الكآبة . ولم يكن من سبيل لإنقاذ هؤلاء البوساء من ما هم فيه إلا أن يتقدم الثوار ويقودون مسيرة الحرية بصدور عارية ونحور بارزة للموت : يا أخي إن طغي الرصاص علينا ومشت في ضلوعنا الدبابة وإذا قيل يا أخي ذي المدافع والموت فقل إنني لست آبه يا أخي لن نموت وإن مضينا فسنبقى في نغمة الربابة يتغنى بنا الرعاة مع الطير نشيد الصباح في كل غابة . لم تكن حرب الشعراء والمستنيرين من جيل الحسين الحسن على الفقر والبؤس والحرمان الذي كان الوطن يعاني منه ولكنهم كانوا يقاومون الخرافة والدجل والتخلف الذي كان مجتمعهم يعاني منه وكأن الحياة قد ماتت في نفوس الناس ولم يجد الناس غير الأموات يلوذون بهم فانطبق عليهم المثل القائل لا حياة لمن تنادي . تنساب أجنحة البخور من الأضرحة كاللص في الليل البهيم . كالأفعوان تنساب في رفق مريب وتثير في أعصاب الناس الذين إتكلوا عليها وفوضوا أمرهم إلى ساكنيها الأموات غير الأحياء ، تنساب فيهم كالسحر فتموت أعصاب الجموع بماذا بالوهم بالخدر اللذيذ . وتروح في حلم طويل وهم وأشباح وتهويم مثير . كانت الخرافة تسيطر على المجتمع صغيره وكبيره . جموع وأطفال تحدق في ذهول ويغمغمون شيئا خطير عجبا لقد قطع البحر في فروة قطع البحر بأقل من لمح البصر ويقول شيخ من بعيد ويكاد من وله يصيح هذا صحيح وهناك إمرأة عجوز في داخل القبر العتيق تصيح : إني سأذبح عند قبرك معزتين يا سيدي هب لإبنتي طفلا تقر به العيون . والحالمون ظلوا هناك مع البخور المنساب كاللص كالعنفوان ... زرقاء في لون السماء يا للسماء في العام 1954م كيف كانت السماء وماذا يلوح في الأفق البعيد : أنا والنأي شريدان هنا طاف سحر الكون يشدو حولنا قد اتت قافلة ترمقنا ومضت قافلة تحسدنا نقف هنا وقد نعود للحسين مرة أخرى يا حبيبة عمري .