لطالما كنت ولا زلت مع وحدة السودان فهي أفضل لحاضرنا ومستقبلنا ومصالحنا العليا. الإنفصال مثل الطلاق (أبغض الحلال عند الله) وهو مشروع إذا تعذر إستمرار الزوجية وكم أتمنى أن تكذبنا كل المؤشرات والتحليلات التي تقول بأن الجنوبيين سيختارون الانفصال عن الشمال ولكن للأسف فالإنفصال قادم لا محالة هكذا تشير كل الدلائل ورغم ذلك لابد أن نلتزم بعهد نيفاشا مهما كانت نتائجه .. التاريخ يعيد نفسه ففي 19 ديسمبر 1955م إختار السودانيون الإستقلال ويا لسخرية الاقدار لقد إنتهى العهد الإستعماري بإستقلال ووحدة التراب السوداني رغم محاولات الإدارة البريطانية إلحاق الجنوب بشرق أفريقيا وفعلوا في سبيل ذلك عزل الجنوب عن الشمال لعقود من الزمان ولكن إختار الجنوبيون التوحد مع الشمال ولكن الشمال خذلهم منذ ذلك التاريخ بتصرفات غير مسئولة حتى يومنا هذا فإنتهوا الى تقرير المصير والآن يتوجهون نحو (الإستقلال) عن الشمال.. نحن اليوم نلعب في الوقت الضائع ونحاول عبثاً وقف أمواج الإنفصال العاتية وذلك بعد أن فشلنا في جعلنا (الوحدة جاذبة) خلال الخمسة اعوام الماضية .. إنه من المستحيل دفع الجنوبيين للوحدة إلا إذا حدثت معجزة حقيقية وإختار الجنوبيون الوحدة بدلاً من الإنفصال .. خمسة أعوام تقاعس فيها الجميع عن دورهم الوطني الصحيح .. وتشاكس فيها الشريكان وإستطاعت عناصر التطرف والسطحية والقصور السياسي في الشمال والجنوب معا أن يدفعوا البلاد نحو الإنقسام والإنفصال ساهم فيها ما سمى منبر السلام العادل و صحيفة الإنتباهة في تهيئة المناخ نحو خيار الإنفصال يمارسون التعالى الثقافي والعرقي دون وعي أو تبصر بجوهر وروح الأديان خاصة الإسلام التي جاءت للمحبة بالمحبة والتسامح والتعاون فحولوا منهج الإسلام الصحيح الى عكسه تماماً وساعدوا الجهات الدولية والإقليمية التي تريد إنفصال الجنوب أن تحقق مصالحها السياسية والإقتصادية وأجندتها الإستراتيجية تماماً مثلما فعل الطاغية صدام حسين في منطقة الخليج بإدخاله العراق في حرب مع إيران ثم غزو الكويت فأعطى المبررات للإستراتيجية الغربية لتحقيق ما تريده في المنطقة وبمثل ما فعل الطالبان في أفغانستان وبمثل ما يفعل الصوماليون في بلادهم اليوم. في تقديري لابد أن تتغير إستراتيجية الشمال و يتجه الجميع وعلى رأسهم حزب المؤتمر الوطني الذي بيده صناعة القرار ليس ما يسميه الوحدة الجاذبة بل أن يقتنع بأن الإنفصال قادم لا محالة ومن ثم نعمل على أن يكون الإنفصال سلساً فلا نضيع الوقت سدىً .. أما إذا حدثت المعجزة وصوت الجنوبيون للوحدة فهذا غاية المنى. المطلوب هو أن نفكر بنهج النصر والكسب للجميع للجنوب والشمال معا (win - win) وكيف يمكن أن يأتي الإنفصال سلساً منتجاً للإستقرار وعدم العودة للحرب وننظر بعين الحكمة والبصيرة .. بإختصار يجب أن تكون لجنة قومية للمرحلة المقبلة بروح جديدة وبفكر جديد ومتجدد وبإستراتيجية جديدة حتى لا نفقد بقية أجزاء السودان خاصة دارفور وربما جنوب كردفان سيكونان الإستهداف القادم بعد الجنوب وهذا يحتاج لإعادة البناء في الشمال وحل سياسى شامل بشكل يحقق الإستقرار والرخاء منه ومدخلات ذلك التوجه القومي والوفاق الوطني والسياسات الإقتصادية الملائمة وأفضل استخدام لمواردنا وثرواتنا والعلاقات الدولية الإيجابية والمنتجة لسودان فريد فى موقعه الجيوستراتيجى. ليكن شعارنا ليكسب الجنوب والشمال معاً من الانفصال فربما يأتي يوم ما في المستقبل ليس لاعادة وحدة بلاد السودان بل بوحدة كل أفريقيا .. ولم ولا إذا خلصت النوايا وابتعدنا عن النزق والمراهقة السياسية .