نظمت وزارة مجلس الوزراء في يوم 82/9/0102م منتداها الدوري بعنوان: الآثار الاجتماعية والاقتصادية بعد الاستفتاء، بحضور مقدر من السادة الوزراء لوزارة مجلس الوزراء، الرعاية الاجتماعية، المالية، النفط والعمل. وحظى المنتدى بمشاركة فاعلة من الخبراء والمختصين والمهتمين وعلى رأسهم محافظ البنك المركزي د. صابر والخبير الاقتصادي عبد الرحيم حمدي، وبمشاركة فاعلة وكبيرة لمنظمات المجتمع المدني. تناول المنتدى ورقتين الاولى بعنوان: الآثار الاجتماعية بعد الاستفتاء قدمها السيد جون دور مجوك والي الوحدة الاسبق متحدثا عن القيم الاجتماعية والروحية والنفسية السائدة في المجتمع السوداني والتي تشكل وتكوّن الشخصية السودانية، وان هذه القيم مشتركة في كل أنحاء السودان في الشمال والجنوب والغرب والشرق هي التي تميز الشخصية السودانية والمجتمعات السودانية عن سواها في العالم ولا توجد هذه القيم في سائر مجتمعات العالم، وان هذه الموروثات والعادات والتقاليد والقيم لا يمكن ان تتغير أو تتبدل في حالتي الوحدة أو الانفصال، وأن هذا التواصل والتمازج والتسامح الموجود لا بد ان يستمر في حالة الانفصال. الورقة الثانية جاءت بعنوان: الآثار الاقتصادية بعد الاستفتاء قدمها الاستاذ مكي علي بلايل وزير التجارة الاسبق قائلاً: ان انفصال الجنوب سيؤثر سلباً على سعر الصرف وعلى قدرة الدولة على جذب الاستثمار، لذلك لا بد من ايجاد صيغة للتكامل بين الدولتين في حال الانفصال. من الاشياء التي لفتت انتباه كاتب المقال وكل الحضور أن السادة الوزراء الذين تحدثوا في المنتدى قد تجردوا من ولاءاتهم وانتماءاتهم الحزبية والسياسية الضيقة مشخصين الآثار الاجتماعية والاقتصادية بمنظور علمي وعقلاني، فقد تحدث السيد علي محمود وزير المالية مقللا من تناقص موارد النفط حال الانفصال، وقال ان الدولة ملتزمة بتمويل الاستفتاء وقيامه في مواعيده، ونوّه السيد لوال دينق إلى أن العمل في مجال النفط سوف يستمر في حالتي الانفصال أو الوحدة، وأكد أن لا اراقة لدماء في حال الانفصال مهما كلف الامر، وذكرت السيدة أميرة الفاضل وزيرة الرعاية الاجتماعية أن وزارتها تسعى لخلق برامج مشتركة مع حكومة الجنوب، وأن هنالك ضرورة لتهيئة المواطن في الجنوب والشمال لقبول نتيجة الاستفتاء، ودعت لضرورة معالجة وضع القبائل المشتركة. وقلل د. صابر محافظ البنك المركزي من تأثير انفصال الجنوب على الاقتصاد الكلي، وقال ان هنالك ضرورة لاتفاق الشريكين في بعض الامور قبل الاستفتاء مثل العملة وسعر الصرف، وان الوحدة النقدية ستكون امراً واقعاً في حالة الانفصال. وأكد السيد عبد الرحيم حمدي على ضرورة ان يتفق الطرفان على خارطة طريق تتضمن امكانية انشاء علاقات سياسية واقتصادية وان تكون القوات المشتركة موجودة في مناطق التماس. وأكد المشاركون ايضاً على ضرورة حل القضايا العالقة، وان تتم تهيئة الشعب السوداني في الشمال والجنوب لقبول نتيجة الاستفتاء «وحدة أو إنفصال» لتلافي الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن ان تحدث. في تقديري الخاص يمكن القول ان هذا المنتدى أوصلنا الى جملة من الحقائق العلمية هي: 1- ان النسيج الاجتماعي الحالي يمثل اقوى روابط الوحدة وقد تم بناؤه منذ القدم ابتداءً بحضارة كوش مروراً بالمروية وسنار والمهدية، وانه ليس وليد اليوم، وانه سيظل باق في حالتي الوحدة والانفصال. 2- إن الرابطة الاقتصادية سوف تظل تلعب دوراً مهماً ومحورياً، وان الشعبين في حاجة الى بعضهما اقتصادياً وتنموياً في حالة الانفصال وان الروابط الاقتصادية القوية تتمثل في وجود النفط في الجنوب والثروات الغابية والمعدنية والزراعية، ووجود البنيات التحتية لصناعة النفط والتصدير في الشمال، ووجود موانئ جاهزة لتصدير الصادرات والحصول على الواردات في الشمال، وذلك لان دولة الجنوب ستكون «مقفولة». 3- إن قبائل التماس التي تقع بين الشمال والجنوب سوف تظل صورة للسودان المصغر وتمثل جسراً للتواصل الاجتماعي والثقافي والتنموي وداعمة للنسيج الاجتماعي غير معترفة بعامل الحدود الموضوعة والتي لا تخدم مصالحها الحيوية «زراعة، رعي، تجارة». ولكن وبينما نحن مستمتعون ومشدودون بهذه المناقشات والمداخلات وبالافكار النيرة والتي طرحت بكل شفافية، وبالتوصيات القوية والنابعة من قلوب صافية والتي توقعناها ان تجد طريقها الى مؤسسات الرئاسة راعية المنتدى لتصبح برنامج عمل واستراتيجية هادية لتقوية العلاقات بين الدولتين في حالة الانفصال. لكننا مقابل هذا العمل العلمي والعملي المتميز نتفاجأ بان الشريكين يصعدان الامور سياسياً ويعرقلان امر الاستفتاء وذلك بتصريحات سالبة على عكس ما كان يدور في قاعة المنتدى وقد جاءت تلك التصريحات السالبة كالآتي: في دوائر المؤتمر الوطني: جاءت تصريحات المؤتمر الوطني التصعيدية على النحو الآتي:- 1- قضية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب تمثل شرطاً اساسياً لقيام الاستفتاء في حين يمكن تجاوز هذه القضية الى ما بعد الاستفتاء والشاهد ان حدود السودان مع كثير من دول الجوار لم يتم ترسيمها. 2- ان أي شخص مؤهل للاستفتاء مواطن في دولة الجنوب فقط في حالة الانفصال، وينطبق ذلك حتى على من يصوت لصالح الوحدة، وهذا التصريح يقلل من همة من ينوون التصويت للوحدة، وهذا الشرط ينتقص من الوحدويين عند ممارسة حقهم القانوني. 3- الاستفتاء في أبيي لا يمكن أن يقوم الا اذا سمح للمسيرية بالمشاركة فيه، واذا تم من غير ذلك فان يوم اعلان دولة الجنوب سيكون هو يوم ميلاد حرب جديدة بين الشمال والجنوب. في دوائر الحركة الشعبية: 1- أجازت الهيئة التشريعية لجنوب السودان الانفصال والعمل على تحقيقه، وتكوين لجان من المجلس بالطواف على الولايات الجنوبية ودول المهجر للتبشير بقيام دولة جديدة، وهذا يتنافى مع نصوص اتفاقية السلام الشامل والتي تقدم خيار الوحدة على الانفصال. 2- التغطية الاعلامية الكبيرة التي يقوم بها تلفزيون الجنوب ببث انشطة الانفصاليين من مسيرات وندوات ومهرجانات ولقاءات ومنتديات، من غير السماح للصوت الوحدوي بالتعبير وذلك يتعارض مع مبدأ حرية الاختيار للمواطن الجنوبي فيما يريد. 3- تبني الحركة الشعبية بجوبا اجتماعات أبناء جبال النوبة والنيل الازرق بشأن فشل المشورة الشعبية لهذه المناطق والمطالبة بحق تقرير المصير لجبال النوبة والنيل الأزرق وذلك يعتبر صب الزيت على النار، ومخالفة صريحة لبروتوكولات المنطقتين. بما أن البلاد مليئة بالمهددات الامنية والاقتصادية والسياسية والتي تتمثل في القضايا العالقة وعلى رأسها قضية أبيي وقضية ترسيم الحدود اضافة الى القضايا القومية المهمة والتي لا تقل درجة عن القضيتين وهما قضية المحكمة الجنائية الدولية ودارفور وكلها تمثل قضايا ساخنة ،يبدو ان السياسيين يريدونها ان تظل محتفظة بحرارتها الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً. ولكن نتيجة لهذه الممارسات السلبية والمكايدات السياسية تضيع الرؤى والرؤية، وتضيع معها الحقيقة الكبرى لغياب الحكمة وهي أننا في الاصل شعب واحد، وأمة واحدة ووطن واحد يجمعنا باختلاف ألسنتنا وألواننا وأدياننا وثقافاتنا وعاداتنا وهو السودان اذا انفصلنا ام لم ننفصل. والله ولي التوفيق