الأنظمة الشمولية في جميع أنحاء العالم تجاهد دوماً لإلغاء عقول الناس جميعاً لتجعل منها مجرد «تِرس» يعمل في خدمة ماكينة الإعلام الرسمي للدولة الشمولية. الأمثلة كثيرة ففي أفريقيا الوسطى الدولة المجاورة لنا، سبق وكتبت عن رئيسها السابق جان فيدل بوكاسا الذي بدأ حياته شاويشاً فيما كان يعرف بالكتيبة السوداء في الجيش الفرنسي، وهي كتيبة ضمت أبناء المستعمرات الفرنسية في القارة السمراء. هذا ال بوكاسا ظل يغير في هوية دولته ودينها الرسمي وفق أهوائه الشخصية أو ربما وفق ما يقبض من أموال. كان مسيحياً فانقلب إلى مسلم ثم إرتد إلى مسيحيته مرة ثانية... كانت دولته جمهورية لم تشرق عليها شمس الديمقراطية أبداً، فأحالها إلى إمبراطورية ونصب نفسه إمبراطوراً عليها وجلس في يوم تنصيبه على عرش مطرز باللؤلؤ وإرتدى تاجاً إمبراطورياً تتلالأ فيه الأحجار الكريمة في وقت كان أبناء شعبه يموتون بالجوع والسل والملاريا. وفي يوغندا في حقبة السبعينات أطلق رئيسها على نفسه لقباً مطولاً ألزم أبناء شعبه وبعض دول العالم على ترديده، كان لقبه الرسمي «الحاج الدكتور الفيلد مارشال عيدي أمين دادا قاهر الإمبراطورية البريطانية»! ورغم أن النظام المايوي الشمولي الذي حكم بلادنا لم يكن بمثل هذه الفجاجة الأفريقية، إلا أن ذاك النظام لم يكن استثناءً في محاولته لمصادرة عقول الناس خصوصاً في سنوات تيهه «الإسلاموي» الأخيرة، حيث إحتشد القصر الجمهوري بلابسي «الجبب» الخضراء المرقعة، بينما نأى أهل التصوف الصادق بأنفسهم من هذا التهافت على أبواب الحكام. نذكر جيداً أن واحداً من هؤلاء أشار على رأس النظام ذات يوم بإلغاء الضرائب وحلّ ديوانها ممنياً إياه بالفيض الكريم من ديوان الزكاة واستجاب الرئيس لتلك النصيحة ، فكاد اقتصاد الدولة أن ينهار برمته لولا أن تم التراجع عن القرار في بضعة أيام ، وتم طرد الرجل من المنصب ومن القصر الجمهورى ، وهو قرار أثرى فيه المقربون حيث اشتروا بملايين الجنيهات سلعاً معفاة تماماً من الضرائب ثم باعوها خلال أيام بعد عودة الضرائب. مثال آخر مضحك حينما أعلن رأس النظام فى ذلك الوقت أنه أصدر قراراً لا رجعة فيه يمنع استعمال المكيفات داخل المكاتب الحكومية. وفي اليوم التالي للقرار كنت أزور أحد الأصدقاء في مكتب حكومي، لنفاجأ بتيم كبير من فنيي الكهرباء التابعين لوزارة الأشغال راحوا يقطعون الكهرباء من كل مكيف في ذلك المرفق الحكومي، لم يتركوا أي مكيف مائياً كان أو «إيركوندشن» في جميع مكاتب الحكومة إلا وقطعوا عنه الكهرباء وكادوا أن يتزيدوا في تنفيذ القرار الجمهوري بإنفاذ القطع « من خلاف » حتى عن المراوح! بعدها بيومين عادت نفس الأتيام لتعيد الكهرباء إلى كل تلك الأجهزة فقد اتضح أن الرئيس القائد كان يقصد بالمكيفات في قراره ذلك.. التمباك والسجائر!