هذا التبخيس والتبعيض من قيمة الجنوب ككيان أصيل في هذا الوطن الذي يعبر عنه و يصرح به قادة من الإنقاذ بلغة واساليب تستخف بمشاعرنا جميعا نحن الذين لا نشبه الإنقاذ ولا قادتها ، يقدم دفوعا قوية لإصرار الجنوبيين لنحت طريقهم بما يشبع رغبتهم في الحياة الكريمة والتخلص من ماضي وحاضر لا يجدون انفسهم فيه إلا تبعا او متهمين ... أو منتقصين ... وقد استوقفني حديث الجاز حيث يقول مستهترا بان القيامة لن تقوم اذا انفصل الجنوب وانهم سيضخون الدماء في المصانع المتوقفة ! فما الذي اوقف الدماء اصلا في هذه المصانع ، أو الآن فقط ؟ ثم من الذي يدير العقول المتوقفة ويضخ فيها دماء التغيير ويحسن إدارة دولاب الدولة ومؤسساتها المختلفة بعيدا عن الخم واللم والعفص ؟ إن هذا الحديث الذي تنقصه الحصافة والإنفعال الصادق بمصير إخوة لنا ( لو يعرفون معنى الإخوة ) ليشير الى حجم الكارثة في هذا الوطن ، وأعجب عندما اسمع حكومات تجئ وحكومات تروح ولكن هذه المرة حكومات تجئ ووطن يروح بثمن بخس هو البقاء من أجل رماد مشروع مخنوق ومجد لن يطول ، قادة لا يهمهم اذا انفصل الجنوب او دارفور او قضى امرنا جميعا بالمرض والسهر والفلس وسوء الحال .... ، طالما بقي المنصب موجودا والسفينة التي اخذت غصبا تمضي بهم الى غايتهم وهي محملة بما لذ وطاب . إن رمي القادة الجنوبيين بكل داء مقيت لن يبرر العجز الذي يبديه المسئولون في السيطرة على الامور ولن يبريء ساحتهم عن التساهل في شأن بهذه الحساسية الوطنية العالية ، وخذلان الأمة ، وقد اعجبتني ردود الفريق جوزيف لاقو في قناة ابوني عندما سألته المذيعة والمصرة على معرفة اجابته في التصويت على الوحدة ام الإنفصال ، فقال بشجاعة أوريكي ليه ؟ دة قراري انا ثم اضاف إن تجارب الإنفصال كانت فاشلة وانه لا يحب ان يسمي الجنوب بغير جنوب السودان أملا في ان يعود الى الوطن الكبير كما عادت ألمانيا موحدة ، فقد كانت تقاسيمه تشي بالأسى وقد اجاب بذكاء على سؤال آخر ب انه يأمل ان ينصلح حال الشمال ويعي حجم التفريط في الجنوب ما يدعوه الى العمل بجدية لإعادة اللحمة للوطن بمفاهيم جديدة يتساوى فيها الجميع رغم تباين الثقافات والشريعة الإسلامية - كما فهما بأنها لاتراعي مصالح غير المسلم ؟ ومع تصاعد حمى التصريحات للتملص من المسئولية لجأ البعض الى القول بفساد قادة الجنوب وسرقتهم اموال البترول والتنمية ، وانهم غير امينين مع مواطن الجنوب ولا مع شركائهم وانهم يديرون لعبة لا يعرفون نهاياتها الا بعد ضحى التقسيم وعندما يفقد هؤلاء دورهم باعتلاء آخرين لسدة الحكم في الجنوب. وهكذا يمضي الحديث راميا القادة الجنوبيين بكل داء وقديما قال المثل -الفيك بدِر بيه والعليك اتناساه - ، فكيف يمكن ان نصف الحال في الشمال عن حصاد سنين مرة وان ذقنا فيها بعض الحلو .. وعن تقارير للمراجع العام تؤكد ان الحكم ليس بالشريعة كما يهابها جوزيف لاقو وإلا لقطعت رقاب ؟ فمتى تحاكم الإنقاذ وسنينها وقادتها وتسأل عن اموال التنمية وعن الأرواح التي ذهقت إبتداءا بالمشروع الحضاري نفسه ومعاركه الممتدة في كل الأحراش جنوبا والوديان والصحاري غربا ، وعن الأمل الذي مات بسودان واحد متحد ؟ لا نكتب ذلك إلا تأكيدا على حقنا في الجهر بما يعتمل في النفوس وتجري به الألسن برما وضيقا ولعناً ... فمقالات عدة ، تتناولهم بالنقد الموضوعي البناء لاتنشر ينظر اليها بانها طعن في الوطن وجريمة ضد الدولة ، بعد ان سلخوا الدولة وصاروا لها جلدا وعيونا ورموا بأبناء الوطن في المنافي او ضاقت عليهم الأرض بما رحبت . ؟ لماذا لا تجرؤ صحيفة او منبر في نقل ما يدور في صدورنا والذي بين ايدينا بعيدا عن اعين النافذين والمتنفذين دون خوف من ان تحجب او تحجب عنها الإعلانات او تحاكم ؟ فأي ضمير وطني ذلك الذي نتمتع به جميعا ؟ واي معيار ذلك الذي تنشر به المواضيع واي سيف مسلط على رقاب دور النشر والكفاءات الوطنية ؟ ألا نقول انفصال الجنوب جريمة ؟ جريمة مضبوطة الأدوات مرصودة الوقائع معلوم الفاعل ...؟ كيف وصلنا الى هذه المرحلة ؟ من المسئول او المفرطين وما هي الإجراءات التي يجب ان تتخذ ومداها ؟ أليس الأمر جريمة وطنية تستوجب آلية للتحقيق وتحديد المسئولية والتقصي عن ابعاد المخطط ؟ هل تدركون هذا الإحساس بالقلق الذي يعترينا عن كيفية التواصل مع اشقائنا واخوالنا وباقي اسرنا في الجنوب ؟ هل سنقبل ببساطة ان تطلق الحكومة امك التي تعيش في الجنوب وتأبى ان تأتي للشمال لأن قيادتها هناك قررت الإنفصال ؟ هل تعرفون حجم ونوع العلاقات بين شريط التمازج والتماس والمصالح ولأحلاف ؟ هناك حقيقة يجب ان نقررها ويعرفها الآخرون وهي اننا ما زلنا مجتمعات انتقالية تحكمنا مفاهيم وعلاقات خاصة اساسها الود والمحبة لا تفسرها القوانين والشروحات ولا تستجيب للؤم ودهاء الساسة من الشياطين والمتآمرين والفاسدين محليا وخارجيا لأنها نتاج تلاحم طبيعي في مسارات الحياة الإنسانية وقتنا الكثير من الشرور والأزمات ، تلفت يمينا وشمالا في الطريق او في الحافلة وصف احساسك بالجنوبي الذي يجلس قربك أو ألفته وعرفته ، تحس كأنك تراه لأول مرة كأنك تود ان تحتضنه وتحتويه ولتقل له لسنا نحن الذين لا نريدك ؟ ولكننا جميعنا نعرف ان وحدة البلاد يعرف مسالكها اهل المؤتمر الوطني قبلنا نحن ، ولن تجدي اي وسيلة فطيرة سمجة لتحقيق معنى الأخوة الوطنية والقيادة الرشيدة دون الإعتراف بما جنيناه في حق إخوتنا وعباد الله في سودان الغبش وإن نعي معنى المصالحة مع الذات ومع الغير . وقف تأمل :خرجنا من مدينة الفولة وكان التحكيم في قضية ابيي قد صدر ، لم يكن المسيرية وما زالوا غير راضين بنتيجة التحكيم ، وقد سمعنا الكثير مما يوصف بجهوزية مواجهة المرحلة القادمة كيفما اتفق فالموت لا عنوان له غير الدفن ، وكان السائق من المسيرية ساخطاً متجهما وقد بلغ به التوتر والحنق ان حلف إن صادف جنوبي ساكت في الطريق سيدهسه دهسا لا بل سيسحقه سحقا بالعربيه الحكومية التي يقودها ، وقلنا ربنا يلطف ، كان الطريق طويلا والشمس قائظة ، ونسينا أن نأخذ ماءا للشرب غير ثلاث قنينات كانت بالعربة اصلا ، في منتصف الطريق رأينا من بعيد رجلا منهكا لايقوى على ركوب دراجته من شدة الإعياء والعطش وما ان اقتربنا منه حتى اتضح انه جنوبي ، فدب فينا دبيب الخوف والفاجعة المتوقعة وفجأة صاح السائق :- هاي دة ما روب زميلنا والله زول ما شاء الله هسة تلقاه جاي من ابوه . اسبوعيا بيمش يتفقدو في الخلاء ويجي ، واوقف العربة ونزل بالماء كله وهو يحتضنه بشوق وحميمية لم تبقَ معها في الجفن باقية من دمع ، وعاد الينا منشرحا يا سلااام يا سلام ، والله قضينا ايام سمحة خلاص في النقل الميكانيكي مع روب دة والله ما فرقتنا إلا الماموريات دي ... وظل يحكي ويحكي ونحكي عنهم حبا ومواقف واعجابا فهذا هو السودان لو تعلمون ! فمن الذي يزرع الضغائن وينفث الأحقاد والإحن ويشرح الأعصاب ويطمس الضوء في العيون ؟ إن صادفكم سترون عجائب وقدرة الله فيه . إلهي احفظ هذا البلد . Email: [email protected]