ظلت معضلة توفير النقد الأجنبي هاجسا يؤرق الحكومة منذ أمد بعيد لاسيما الدوائر الاقتصادية بها وقد تعاظمت المعضلة مؤخرا بعيد الأزمة المالية العالمية وما أفرزته من تداعيات وآثار سالبة طالت اقتصاديات كل البلدان. ولما لم يكن السودان بمعزل عن العالم الخارجي تمثل تأثيرها على أسعار النفط الأمر الذي انسحب بدوره على مستوى تدفق النقد الأجنبي على الحزينة العامة فتراجع سعر الجنيه السوداني أمام العملات الأخرى فقلت احتياطات النقد الأجنبي بالبنك المركزي فطفق يعمل جملة من السياسات للجم عجلة انخفاض الجنيه ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ازدادت الهواجس والمواجس مع دنو موعد استحقاق تقرير المصير المنتظر إجراؤه مطلع العام الجديد رغم تأكيدات رئيس بنك جنوب السودان أليجا ملوك لاستمرار بنك جنوب السودان بالعمل وفقا لسياسات بنك السودان المركزى الحالية والتزامه بكافة توجيهاته الى حين قيام عملية الاستفتاء والتى ستنتج عنها مرحلة جديدة فيما يتعلق بالنظامين التقليدى والاسلامى والتى اقرتهما اتفاقية السلام الشامل، ونفى إجراء بنك الجنوب أية ترتيبات لعمله بالانفصال. وقال اليجا ان فيما يتعلق بالنقد الاجنبى وارتفاع اسعار الدولار انه نتيجة لسياسات بنك السودان الخاصة بالتحول لسلة عملات اخرى غير الدولار الاميركى فان الطبيعى أن ترتفع اسعار الدولار فى شمال السودان لعدم توفره ،مبينا ان كل الدولار الذى يتم التعامل به فى الشمال يدخل عبر بوابة جنوب السودان من حسابات بنك جنوب السودان فى الخارج مشيرا الى وجود ثلاثة بنوك اجنبية منها بنك اثيوبى وكينيان يعملان فى الجنوب وفقا لسياسة بنك السودان المركزى وقال كل ما ينسحب على البنوك العاملة فى الجنوب ينسحب ايضا على البنوك الاجنبية نافيا ان يكون بنك الجنوب قد تلقى طلبات لفتح فروع مصارف عربية خلال الفترة الماضية. ولفت اليجا انتباه جميع المصارف العاملة بالجنوب الى التقيد بالسياسات الصادرة من المركزى والعمل وفقا للقوانين والاجراءات الصادرة منه بغرض تنظيم مهنة العمل المصرفى، مؤكدا ان بنك الجنوب قد وجه انذارات لعدد من البنوك العاملة لمخالفتها بعض النصوص كما قام بايقاف وسحب رخصة ثلاث صرافات لمخالفتها بعض القوانين التى تنظم المهنة . وعلى صعيد الخبراء والمختصين يقول البروفيسور عصام بوب إن بعض مسؤولي حكومة الجنوب صرحوا مؤخرا بان موقف النقد الأجنبي بالجنوب غير مطمئن وضعيف جدا علاوة على قلة الموارد وأمن بوب على صحة ضعف احتياطي النقد الأجنبي لجهة استنزاف كل الاحتياطي منه وأضاف ان الجنوب تلقى نصيبه بالكامل من عائدات النفط وأن كيفية تعامله معها وفيما أنفقها فذلك ليس مسؤولية إن إعلان ضعف احتياطي النقد الأجنبي بالجنوب ما هو إلا محض طلب لإمداد الجنوب مزيد من الأموال والنقد الأجنبي . وعن الشمال يقول بوب إنه كان يتمتع باحتياطي مقدر من العملات الأجنبية بيد أنه تم استنزافه جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية وهبوط أسعار النفط بما يزيد عن 60% الأمر الذي انعكس على مستوى احتياطي العملات الأجنبية بالخزينة العامة ومما فاقم الأزمة عظم متطلبات مقابلة تكلفة الانتخابات والنزاعات الأهلية في دارفور وما جرته من ترضيات وتسويات علاوة على ضعف عائدات القطاعات الإنتاجية الحقيقية (الزراعة والصناعة) جراء ضعف أدائها الأمر الذي انعكس برمته على مستوى النقد الأجنبي وبناء على هذه المعطيات توقع بوب أن يصل مستوى احتياطي النقد الأجنبي بالشمال أدنى مستوى له. وقال إن فك الارتباط بالدولار لم يكن إلا قرار على الورق لجهة ان 95% من عائدات الصادرات مصدرها النفط وأن التعامل في النفط عالميا يتم بالدولار حتى على مستوى الشركات غير الأمريكية المنتجة له وأضاف إن فك الارتباط به كان أملا بيد أنه صعب التحقيق والوصول إليه والدليل على ذلك أن السوق السودانية ما زال يحكمها الدولار والحكومة في مساعيها لتثبيت الجنيه حاولت إغراق السوق بالدولار وليس باليورو وختم بان مستقبل السودان الشمالي في عائدات النفط لذا لا يد من حسم ملف قسمة البترول لأنه لا يمكن الاستغناءعنه على الأقل في العشر سنوات القادمة وسيظل الدولار العملة الأجنبية بالسودان .