تعودت الحركة الشعبية على إملاء شروطها على المفاوضين الشماليين بحسب المنطق الفرعوني (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). . وهكذا تعاملت الحركة مع مفاوضي الفترة الانتقالية إثر انتفاضة إبريل 1985م، كما تعمدت التقليل من شأن رئيس الوزراء المنتخب السيد الصادق المهدي ولم يرض قائدها مقابلته إلا بصفته رئيساً لحزب الأمة وحين دعيت الحركة للانضمام إلى التجمع الوطني المعارض تدخلت الحركة في إعادة صياغة مواثيقه بالكثير من الملاحظات والتنويهات المستفزة والمستخفة بالرأي الآخر مبررة ذلك بأنها لا تريد أن يكون التجمع «رفقة معدية» ولكنها بالممارسة جعلته مجرد «حصان طروادة» لتمرير وتغطية الأجندة العلمانية بالإضافة لحق تقرير المصير . . واليوم تواجه البلاد ذات المنطق الفرعوني فإما القبول بإطروحة السودان الجديد وإدخال السودان تحت منصة التأسيس التي تريدها وتراها الحركة وإلا فالخيار هو الانفصال . وفي تقديري أن إعادة السودان إلى منصة التأسيس العلماني ينبغي أن تستند على مفهوم معرفي وجهد ثقافي وإنتاج فكري واسع في كافة المجالات ليكون مقبولاً عند النخبة السودانية ويتجاوز اتهامها بإدمان الفشل ويطرح حلولاً منطقية لمعضلات البلاد بعيداً عن اسطوانة ذم الإسلاميين ومحاسبة حقب الحكم المختلفة حتى لا يتحول النقد الذاتي إلى جلد للذات وتحميل أبناء الشمال وحدهم أوزار الحرب وأخطاء النكوص عن اتفاقيات السلام في تعمد لإخفاء أدوار الجنوبيين وصراعاتهم الإثنية التي أدت لنقض اتفاقية أديس أبابا 1972م،وما تلاها من إذكاء نيران الحرب وتعطيل مشاريع التنمية باستهداف التنقيب عن النفط والحيلولة دون حفر قناة جونقلي . فالحركة الشعبية مُطالبة بالخروج من دائرة الأستاذية التي تستدرك على الآخرين وتحصي أخطاءهم وبقليل من التواضع ستكتشف الحركة أن مشروع السودان الجديد الذي يضمن الحرية والعدالة والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب اللون والعرق والدين لا يتحقق بقرار أو ميثاق سياسي ولن يكتب له النجاح بالترويج الإعلامي في مؤتمر صحفي أو بمجرد تدوينه في نص دستوري كما يظن الكثيرون. . ما لم يواكب بحركة كفاح ونضال طويل وصبر وجلد لا تقوى عليه النخب السياسية المُتطلعة لقطف ثمار السلطة والثروة قبل أوانها كما هو الحال عند ناشطي الحركة الشعبية وحلفائها من أهل السودان القديم فالكل يرغب في استغلال الآخر واستخدامه في سبيل غاياته السياسية . وستظل الحركة الشعبية تبحث عن ضمانات تنفيذ ما تتفق عليه مع الشماليين إذ لا يكفي الالتزام السياسي للقادة الكبار (المهدي والميرغني والترابي ونقد) لأنهم يمثلون امتداداً طبيعياً للسودان القديم الذي تريد الحركة إخراجه من المعادلة . . وستبقى مضامين أية اتفاقية حمالة أوجه ومحل نزاع على النصوص كما هو الحال في بروتوكول أبيي ومصطلح «السودان الجديد» المتنازع عليه بين طلاب «العدالة» كل على طريقته .