ترى ماذا يقول الناس عنك عندما ينجح ابنك في الشهادة السودانية ويلتحق بكلية مرموقة فتكافئه بعربة فارهة جديدة تقديراً لتفوقه؟ وكيف ستكافئه عندما يتخرج في الجامعة وينال درجته الجامعية.. هل تشتري له يختاً؟ بل كيف يكون الحال عندما يحوذ على درجة الدكتوراة؟.. فهو لن يرضى بأقل من طائرة صغيرة ! ولا شك أن عامة الناس سيرمونك بالسفه، وغير العامة من خبراء علم النفس التربوي سيتهمونك بفقدان الأهلية التربوية وإعلاء غريزة الجشع والتملك والاستحواذ في نفس هذا الصبي اليافع أو تلك الصبية. هذا على افتراض أن هذا السلوك هو سلوك فردي، ولكن كيف يتفهم المجتمع مثل هذا النهج الذي لا يمت لقيم التربية حينما يصدر من مؤسسة تعليمية تربوية؟ إعلان غريب وعجيب ظلت تواظب عليه بعض المدارس الثانوية الخاصة فى بداية كل عام دراسى تتصدره ثلاث عربات فارهات جديدات وهي تختال لتدغدغ أحلام «الزبائن» من التلاميذ وأحلام أسرهم. أتفهم أن يصدر مثل هذا الإعلان من مصنع أو مؤسسة تجارية، فهو أمر مقبول ومطلوب في أبجديات التسويق والترويج لتنشيط مبيوعات سلعة بعينها، ولكن من المؤسف أن تكون السلعة التي يروج لها الإعلان هي التحصيل الأكاديمي في مؤسسة مدرسية بعينها..!! إن نهج اقتصاد السوق وتحريره السائد في أيامنا هذه، قد أدخل حتى التعليم والعلاج في بوتيكات مزركشة وفاترينات جاذبة تتنافس فيما بينها لتسويق «سلعتي» التعليم والعلاج. هذا النهج غرس ثقافة «اللوتري» وضربة الحظ في آمال وأحلام السواد الأعظم من الشعب، بحيث أدرك معظم الناس أنه ما من سبيل لحل مشكلاتهم إلا بضربة حظ قد تصيب أو تخيب. لذلك لن نستغرب أن تواصل مؤسسة تربوية تعليمية إعلاناتها لسنوات مضت عن ثلاث عربات فارهة جديدة تمنح للثلاثة الأوائل من التلاميذ أو التلميذات في امتحان الشهادة الثانوية، فالغرض ليس تحفيز الطلاب بقدر ما هو استدراج «زبائن جدد» ليبتاعوا من المدرسة بضاعة التعليم «وفوق البيعة» ضربة حظ مرجوة قد تصيب كبد العربة الفارهة! ولا يهم قبل ذلك أن يتحول تلاميذ الفصل الواحد إلى وحوش أكاديمية ضارية تتقاتل فيما بينها على العربة وهي تهدر كل القيم التربوية. السلوك التربوي القويم في حث التلاميذ على التحصيل والتفوق، يفترض أن يكون في ذات الإطار التربوي... كأن تقدم منحة مجانية للطالب المتفوق في أرقى جامعات العالم.. وحتى إن حاز الطالب المتفوق على مبتغاه في الكلية المرموقة التي تهفو لها تطلعاته، لماذا لا تقدم الجائزة كمنحة دراسية لواحد من أشقائه أو شقيقاته في مقاعد الجامعات «الدولارية» داخل السودان، لتصبح فرحة أسرته مزدوجة؟ أما أن تُدغدغ أحلام التلاميذ والتلميذات الغضة بمثل هذا «التوحش الاستثماري»، وتُدغدغ أحلام الآباء والأمهات «من الزبائن» بمثل هذا الاستدراج الفج.. فهو أمر قبيح.