مدرسة .... الثانوية الحكومية تعد من أعرق المدارس الامدرمانية ويرتبط إسمها ببواكير الحركة الوطنية فى بلادنا ، وكاتب هذه السطور تلقى تعليمه الثانوى فيها على يد جيل من المعلمين الافذاذ والمديرين المتميزين ( أو النظار كما كنا نسميهم ) أمثال الاستاذ الطيب شبيكة والاستاذ فتحى امبابى والاستاذ يوسف على نور والاستاذ على النصرى حمزة . رغم كل هذا الماضى العريق تدهور حال المدرسة ولم تستطع الولوج الى حيز النخبة .. حيز المدارس الحكومية النموذجية . أحد اصدقائى تم قبول ابنه بهذه المدرسة فأستكان للامر الواقع ربما لضيق ذات اليد ، ولكنى فوجئت به يخرج إبنه من المدرسة بعد اسبوع واحد ليلحقه بمدرسة خاصة تتجاوز مصاريفها السنوية مليونين من الجنيهات . سألته عن السبب فأجاب بإقتضاب أن الحقيبة المدرسية الجديدة لإبنه بما فيها من أدوات وكتب جديدة سُرقت من داخل الفصل فى أول أسبوع . هكذا تردى التعليم الحكومى فى بلادنا واصبحت المدارس الحكومية طاردة للآباء والتلاميذ ، ولا يقبل عليها إضطراراً إلا الفقراء والمساكين واليتامى وابناء السبيل . وبالمقابل وكنتاج طبيعى لخصخصة التعليم و( تسليعه ) .. أى جعله سلعة ، نشط التعليم الخاص وأصبح بزنساً مرموقاً يغالى أصحابه فى بيع بضاعتهم من التعليم ، ويفرضون أسعاراً فلكية مقابل سلعة التعليم ويمارسون نهجاً غير تربوى وهم يتصيدون النوابغ من التلاميذ الفقراء من أجل تزيين النتيجة بالنسب التسعينية تماماً كما تتصيد أندية الكرة الهدافين المرموقين ، وذلك خلال العطلة الصيفية التى تسبق السنة النهائية والتى باتت مثل فترة ( فك التسجيلات ) فينشط فيها خطف النوابغ من التلاميذ والمعلمين ، وفوق هذا يعلنون عن بضاعتهم التعليمية بشكل فج لا يتناسب والقيم التربوية الى جانب الغش والتدليس ، فبعض المدارس الثانوية تعلق لافتات جدارية فاخرة ( أسموها قوائم الشرف ) على مداخل المدرسة تزدان بأسماء التلاميذ أصحاب النسب التسعينية وما فوق الثمانين ليتم إيهام الآباء والامهات من ( الزبائن ) الجدد بالتفوق المزعوم ، بينما الحقيقة أن هذه النسب العالية ليست حصاد العام الدراسى السابق ولكنها ( نقاوة ) من أصل آلاف التلاميذ الذين التحقوا بالمدرسة خلال عشرة أعوام أو أكثر . هكذا يتضح أن البضاعة مضروبة والسلعة معطوبة ، والبيئة المدرسية رغم المليارات السنوية التى تجبى لا تتجاوز حد الفتات الاكاديمى والتربوى . يتوجب على الحكومة وهى تمضى فى خصخصة التعليم وتسليعه وتحرير سوقه أن تضبط هذه ( السلعة ) فى الاسواق ، وأن تحيل أمرها الى الهيئات المختصة مثل هيئة المواصفات وضبط الجودة والموازين والمكائيل ونيابة المستهلك ، فالتعليم المغشوش والمضروب والمخالف للتسعيرة الاخلاقية ينبغى التصدى له .. مثله مثل الاسمنت والسيخ والحديد ومرق الدجاج والألبان الفاسدة !