مجذوب عيدروس: نحاول في هذا الاسبوع ان نقف قليلا امام اشكالية سودانية اختلط فيها الثقافي بالسياسي بالتنموي بالاجتماعي الى اخر مظاهر الحياة وجوهرها.. وفي خطوة غير مسبوقة في القارة الافريقية على الاقل ان يقدم بلد مستقل بعد 55 سنة من الاستقلال على منح شطر كبير منه حق تقرير المصير.. ذلك المصير الذي تحدد منذ مؤتمر جوبا 1947.. وفي مؤتمر المائدة المستديرة 1965م ثم اتفاقية اديس ابابا عام 1972 وفي غيرها من المحطات التاريخية. والولايات المتحدةالامريكية التي هي عراب الانفصال هي التي قاتلت نصفها الجنوبي في الحرب الاهلية، وفرضت هذه الوحدة بالقوة فاعجب لتصاريف القدر!! واشكالية الجنوب هي التي اوجدت تيار الغابة والصحراء في الثقافة السودانية، وهي التي نبهت من كان غافلا عن المكون الافريقي في هذه الثقافة.. وهي التي ايقظت الوعي بضرورة التنمية المتوازنة. ولكن هذا الطريق الشاق نحو السلام، وترتيبات ما بعد الاستفتاء، هل كانت تقتضي كل هذه التضحيات الجسام؟؟ عشرات الاسئلة تطرح نفسها على الذات السودانية، وهي تقلب دفاتر الجنوب، ولا يجدي البكاء على الفرص المهدرة.. فغياب الديمقراطية في ظل نظام مايو هو الذي اعاد الجنوب مرة اخرى الى مربع الحرب والاقتتال.. واتفاقية الميرغني قرنق 1988 اضاعتها المنافسات الحزبية ومكائد السياسة. ولكن هل نغفل ذلك الدور الذي لعبته السياسة البريطانية في دهاء وخبث للتفريق بين الشمال والجنوب، وما قانون المناطق المقفولة ببعيد عن الاذهان، فهو الذي كرس الفرقة، وبذر بذور الشقاق بين ابناء الوطن الواحد.. وللاسف فلم نستطع منذ فجر الاستقلال ان نضع سياسة ثقافية وتعليمية واعلامية تحقق التوازن بين اللغات المحلية واللغة العربية وضرورة الاهتمام ايضا بتدريس اللغة الانجليزية بل ظللنا نتخبط في مسألة المناهج وفقا لسياسات مفروضة في كل العهود من اعلى دون ان يؤخذ برأي «الخبراء». وبلد كالسودان في حاجة الى سياسة لغوية يدرس فيها النموذج الهندي والجزائري «فيدرالية لغوية» وترعى فيها ثقافات القوميات المختلفة على قدم المساواة. وهذا هو السبيل الذي يمثل طوق النجاة لكل من الجنوب والشمال في حالة الوحدة او عند خيار الانفصال.