٭ (جغمسة) عجيبة حدثت لكلمتنا بعنوان (هِهيييَّا) في اليوم نفسه الذي كان يتحدث فيه البشير عن (الجغمسة) بالقضارف.. ٭ والجغمسة - أو الدغمسة - مصطلح سوداني شعبي يعني اللخبطة.. ٭ واللخبطة تعني احداث تشابك - أو تداخل - عشوائي في أمر ما.. ٭ وكلمتنا تلك حدثت فيها جغمسة جعلت كثيراً من أصحاب التعليقات الالكترونية يشيرون إليها تعجباً دون أن يخطر ببال أحدهم أنها جغمسة فنية غير مُتعَّمدة.. ٭ بل الذي خطر في أذهان نفر من هؤلاء أن الجغمسة تلك متعمدة من تلقاء كاتب هذه السطور لشيء في نفسه.. ٭ فمنهم من قال اننا صرنا نكتب فيزياء.. ٭ ومنهم من سأل الآخرين إن كانوا قد فهموا حاجة.. ٭ ومنهم من تساءل: (الزول ده مالو الليلة؟!).. ٭ أما أحد الذين فهموا المعنى العام للكلمة - رغم الدغمسة - فقد كتب تعليقاً بالانجليزية يشير فيه إلى تباهٍ (مشروع) من جانبنا - حسب قوله - بالانتماء النوبي في مواجهة حلفٍ (غير مشروع) تجاهنا من تلقاء بعض الذين نحن محسوبون على (جامعتهم).. ٭ ورغم صحة الفهم هذا إلا أن صاحب التعليق ضيّق واسعاً حين حصر ذاك التباهي على النوبيين رغم أن السودانيين جميعاً - حسب وجهة نظرنا - لهم من هذا التباهي نصيب.. ٭ والعتب في ذلك على (الجغمسة) وليس على صاحب التعليق أو كاتب هذه السطور.. ٭ أما الذي فهمه الناس من حديث الرئيس ذاك عن (الجغمسة) فهو عدم سماح الانقاذ - عقب الانفصال - بوجود مصدر رسمي للتشريع سوى الاسلام.. ٭ وعدم سماحها بوجود لغة رسمية للبلاد سوى العربية.. ٭ وعدم سماحها أخيراً بوجود أعراقٍ رسمية، ما يُشار إليها، في ضوء طغيان العرق العربي.. ٭ ذلك ما فُهم من حديث البشير رغم وجود ديانة أخرى في البلاد هي المسيحية.. ٭ ورغم وجود لغات أخرى هي - على سبيل المثال لا الحصر - النوبية والبجاوية والزغاوية.. ٭ ورغم وجود أعراق أخرى منها تلك الناطقة باللغات المشار إليها.. ٭ رغم ذلك كله إلا أن حديث الرئيس - في هذا الخصوص - قد يكون مقبولاً في مجمله لدى الكثيرين بالنظر إلى عامل (المسلَّمات!!..) ٭ غير ان (عدم السماح) المتعلق بمصادر التشريع قد يكون محتاجاً إلى (وقفة) رغم القبول (الشكلي).. ٭ أو بالأحرى؛ القبول من حيث المبدأ.. ٭ فحادثة (الڤيديو) مثلاً التي استشهد بها الرئيس على نفاذ الشريعة طالباً من المحتجين التطهر والأوبة والاستغفار.. ٭ حادثة الڤيديو هذه استند احتجاج كثير من الناس عليها إلى (عدم التطبيق الصحيح!!) لحدٍّ من حدود الله وليس إلى رفضٍ لأحكام الشرع على اطلاقها.. ٭ فشريعة الله الناس (ما مابِنّها) وإنما الذي (يأبونه) هو عدم التنفيذ (الشرعي!!!) للعقوبات الحدِّية (الشرعية!!!).. ٭ ثم إن الشريعة الاسلامية ليست (حدوداً!!) فقط.. ٭ فهنالك المقاصد (العليا!!) للشرع ممثلةً في (العدل!!) و(الرحمة!!) و(الرأفة!!) و(حسن الخلق!!) و(مكارم الأخلاق!!) و(احترام كرامة الانسان!!) و(الشفافية عن التعامل مع مال المسلمين!!).. ٭ فليت القائمين على الأمر باسم (الاسلام!!) يفهمون حديث الرئيس عن الشريعة ذاك الفهم الصحيح.. ٭ يفهمون أن الشريعة ليست (جلداً) و(رجماً) و(صلباً) و(قطعاً) وحسب.. ٭ فهنالك ما هو (أصعب تطبيقاً!!!) من ذلك كله.. ٭ هنالك جهاد النفس الذي سُميَّ ب(الجهاد الأكبر!!).. ٭ فإن نجح أولو الأمر أولئك في هذا (التطبيق!!) لشرع الله فسوف يرتاح المراجع العام من تدبيج تقاريره السنوية.. ٭ وسوف يكفُّ مدير إدارة الثراء الحرام عن الاحتجاج على بقاء إقراراته الخاصة ببراءة الذمة (ناصعة البياض!!).. ٭ وسوف لن يحتاج (القيِّم للمرفق ذي البأس) ذاك - الذي أشرنا إليه في سياق كلمتنا عن فتاة الڤيديو - إلى مغالبة النفس في حجب (الأسماء!!) و(المسميات!!) عنَّا.. ٭ كل ذلك - وغيره - نحن موعودون به إن فهم أُولو الأمر فينا حديث البشير عن الشريعة على النحو الذي فهمه أُولو الأمر في صدر الاسلام.. ٭ فإن حدث هذا فلن تدوم في عالمنا الإسلامي - أكثر من هذا - مقولة الشيخ محمد عبده الشهيرة عقب زيارةٍ له لدول الغرب.. ٭ فقد قال انه وجد إسلاماً هناك ولم يجد مسلمين.. ٭ ووجد مسلمين هنا ولم يجد إسلاماً.. ٭ بل وجد (جغمسة!!!)..