الوضع القاتم ألقى بظلاله على الساحة السودانية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا 2005 والتى وجدت اعتراضاً وتحفظاً من القوى السياسية المعارضة بالرغم من ان الاتفاقية انهت حربا دامت لاكثر من خمسين عاما وراح ضحيتها اكثر من مليون شخص، الا ان المحصلة النهائية للاتفاقية كانت تحويل السودان الى دولتين ومؤشرات الانفصال كانت واضحة مهدت لها الحركة الشعبية بالعمل الجاد وبخطوات حثيثة نحو الهدف تمثلت فى اعداد النشيد الوطنى والعلم ولم تقف عند هذا الحد بل استمرت تحركاتها نحو دعم الانفصال بإعتماد اللغة الانجليزية وتغيير المناهج التعليمية والتوجه نحو الاستقلالية التامة فى عقود البترول وتوقيع اتفاقيات دون الرجوع للشريك الحكومى واخيرا اغلقت كافة جامعاتها بالخرطوم دون سابق انذار (جامعة جوبا- أعالى النيل - بحر الغزال ) ونقلها الى الجنوب. وبذلك اصبح الانفصال واقعاً لا محالة واى حديث عن الوحدة يعد ضربا من ضروب الخيال- كل الطرفين لم يعملا من اجل الوحدة بل غرقا فى بحور من التصريحات والخلافات والصراعات التى ازمت العلاقة بين الشريكين حتى مرت الست سنوات فترة المرحلة الانتقالية ليتم فى نهايتها اجراء الاستفتاء فى التاسع من يناير. قامت الحركة الشعبية بدور التعبئة الكاملة فى الجنوب وتسخير كافة الامكانيات لجعل خيار الانفصال هو الجاذب ونجحت فى مسعاها الى حد كبير، فهم قد شارفوا على اعلان دولتهم فى العالم التى تحمل رقم 193 فيعلوا صوت الانفصال على صوت الوحدة التى لم يفكر فيها احد. بما ان الوضع سيقود الى دولتين بات هاجس الجميع فى جعل السلام هدفاً استراتيجياً ،الا ان نشوب حرب وارد رغم تمسك طرفي الاتفاقية ( المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ) بالانحياز لخيار السلام وتخفيف حدة التصريحات واستبدالها بأخرى لتنزل بردا وسلاما على الجميع .. ولكن الواقع به كثير من القضايا العالقة التى تعتبر مهدداً حقيقياً للسلام قضية ترسيم الحدود عالقة ورسم انتهاء لجنة ترسيم الحدود من حوالى 80% تظل أبيى قنبلة موقوته قابلة للانفجار بعد ان رفضت قبيلة المسيرية التحكيم الدولى وما تمخض عنه. دولة الجنوب القادمة اصبحت قبلة انظار العالم خاصة امريكا واسرائيل واخيرا روسيا تقول بعض الاشارات ان اسرائيل اوجدت لها مكاناً فى الجنوب وبدأت تنشط فى هذا الجنوب وصرحت بعض المواقع الصهيونية بوجود تنسيق بين حكومة الجنوب واسرائيل ولرئيس الحركة الشعبية مكتب فى اسرائيل، وهذا يؤكد ان الدولة الوليدة ستجد سندا ودعما يجعلها دولة فتية وقوية امنيا وعكسريا واقتصاديا. المخاوف من مثل هذه التدخلات على الشمال وهنا لا اعنى شمال السودان وانما ايضا الجارة الشقيقة مصر التى قد تتضرر فى حصتها من مياه النيل وللسياسة تقلباتها وتحالفاتها المبنية على المصالح ليس إلا. بلا شك انفصال الجنوب سيجر على المنطقة كثيراً من الويلات التى تجعل المنطقة فى حالة توتر دائم يحمل فى طياته كثيراً من المهددات الامنية والعسكرية والاقتصادية على المنطقة فالحلم بوجود دولتين تنعمان بحسن الجوار يظل حلماً صعب المنال خاصة فى ظل تأجج مشكلة دارفور ولجوء بعض القيادات الدارفورية الى الدولة الوليدة لتكون قاعدتهم فيما ،بعد فالمخاطر والمهددات كثيرة تجعل المخاوف تتسرب الى النفس وتتزايد فى المستقبل الذى مازال يكتنفه الغموض رغما عن التصريحات المتبادلة من الطرفين بأن لا عودة للحرب وان التداخل الاجتماعى سيكون بمثابة درع واقٍ من بعض الشرر الا انه تظل التصريحات فى وادٍ والواقع فى وادٍ آخر يجعل من غض الطرف نوعا من دفن الرؤوس فى الرمال واجهاضاً لمحاولة اطفاء بؤرة التوتر التى قد تتأزم وتضرب كافة المصالح المشتركة فى مقتل. هل حقيقة كما قال الرئيس البشير ( لم نقم سرادق عزاء ولكن الانفصال سيؤلمنا ). واخيرا تمكنت امريكا واسرائيل من تحقيق اهدافهما فى المنطقة بعد العراق الآن السودان ثم مصر التى حاولوا الآن زرع الفتن الطائفية فيها ويبدو اننا اصبحنا الحلقة الاضعف بعد ان تم زرع الفتن وتقسيم الدول الى دويلات لاستغلال التناقض والاختلاف القبلى والاثنى لضرب الوحدة وتشييعها الى مثواها الاخير فلا تجاربنا الماضية كانت كفيلة بتجنيبنا المصير المنتظر ولا قراءتنا للتاريخ صبت فى مصلحتنا العامة وما خفى كان اعظم، حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.