2011-1-31 بعد وقت قصير من قرار السلطات المصرية بإغلاق مكاتب الجزيرة في القاهرة، ومصادرة البطاقات الصحافية لمراسليها وموظفيها وركلهم، بدأت المحطة تنقل أخبارها عبر التويتر. بعد ذلك توصلت المحطة الى ترتيب مع أصحاب القمر الصناعي الخاص نورسات وواصلت منه بثها العادي. محاولة منع بث الجزيرة من خلال التشويش تشبه محاولة منع طوفان بمصفاة. فالشبكة صاحبة تجربة كبيرة في «الاغلاقات» التي تفرضها عليها أنظمة عربية، وطالما كانت تتمتع بجمهور مخلص وحاكم يسندها فإنها ستواصل ادارة ثورة الاعلام التي بدأتها في العام 1996. «نحن لسنا ضد أية حكومة. كل ما نفعله هو أن نروي الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. فبعد كل شيء، فإننا لا نفعل شيئا مختلفا عما يفعله آخرون في الولاياتالمتحدة او في اوروبا... ليست للجزيرة هوية دولة، وهي ليست التلفزيون القطري»، هكذا يشرح محمد جاسم العلي، المدير السابق للشبكة، غاية المحطة. ويبدو الشرح جيدا في العام 1998، بعد سنتين من قرار امير قطر حمد بن خليفة الثاني اقامة وتمويل المحطة التي يشاهدها اليوم نحو 75 في المئة من عموم الناطقين بالعربية في العالم. ليس هكذا فكر زعماء الدول العربية، الذين هبطت فجأة الى مجالهم الآمن محطة تلفزيونية قررت أن «تروي الحقيقة». في ذات السنة أمر وزير الاعلام الاردني ناصر جودة (اليوم وزير الخارجية الاردني)، بإغلاق مكاتب المحطة لانه في برنامجها العلم، «الاتجاه المعاكس» حيث حل ضيفا وزير الخارجية الاردني السابق الى جانب ناطق سوري هاجم السوري اتفاق السلام بين الاردن واسرائيل. بعد سنتين من ذلك كان هذا دور مبارك كي يعاني من المحطة، التي بثت اقوال ممثلي الاخوان المسلمين ضد المؤتمر الذي عقده مبارك في القاهرة في محاولة لصد الانتفاضة. بعدها كان هذا حاكم الكويت، الاسرة المالكة في المغرب والسعودية، ممن لم يكتفوا بإغلاق مكاتب المحطة بل اعلنوا عن القطيعة بينهم وبين حاكم قطر بسبب بث مقابلة مع اسامة بن لادن، تقرير عن الوضع الصحي للملك وأنواع مشابهة من البث. المفهوم الذي يقول ان محطة تلفزيونية عربية ليست سوى فرع للسلطة ولا يحتمل وضع لا يقصد الحاكم توجيه التعليمات اليها، أدى الى نزاعات سياسية بين دول عربية عديدة وبين قطر، ولكن باستثناء حالات قليلة، منحها بن خليفة، الذي مول اقامتها بنحو 130 مليون دولار ويواصل دفع نحو 50 مليون دولار في السنة لها يدا حرة في أن تبلغ وتنتقد، باستثناء شؤون قطر وعائلة الحاكم. الجزيرة، وان لم تكن محطة القمر الصناعي الاولى العابرة للقومية العربية ولكنها هي التي أحدثت ثورة اعلامية حققت في أعقابها تغييرات جوهرية في وعي الجمهور الناطق بالعربية، سواء بالنسبة للانظمة التي تحكمهم، ام بالنسبة للمذاهب الفكرية المختلفة عن تلك التي تحاول السلطة المحلية في كل دولة ان تغرسها. عبر بث الجزيرة بدأ المشاهد المصري مثلا يرى ويسمع ليس فقط الناطقين بلسان الاخوان المسلمين، بل والناطقين الاسرائيليين ايضا. المشاهد السعودي تعرف على أحداث حرب العراق ليس من خلال المراسلين الاجانب الذين غرسوا في الوحدات العسكرية الامريكية، وكان بوسع المشاهد الامريكي ان يأخذ الانطباع عن المعركة في العراق أو في افغانستان من خلال صور الشبكة العربية التي قصفتها طائرات امريكية في بغداد. ولكن بالاساس تؤثر المحطة على تحديد جدول الاعمال العربي والشكل الذي بدأت من خلاله المحطات المحلية تغذي الاخبار وبرامج الحوار بها جمهور المشاهدين. وعندما يتنافس على زمن المشاهد نحو 500 محطة فضائية، وعندما تكون الجزيرة قصة النجاح، فإنها جميعها تحاول محاكاتها ان لم يكن بالمضمون، فعلى الاقل في شكل التقديم. الى جانب مهنية الجزيرة وانجازاتها الصحافية فإن للشبكة التي تحولت من محطة اخبار الى امبراطورية اعلامية مع محطات فرعية تبث الرياضة وبرامج الاطفال، موقع انترنت ومحطة بالانكليزية أجندة لا يخفيها محرروها. هذه ليست «رواية الحقيقة»، بل رواية الحقيقة العربية من اتجاهات واضحة جدا. الجزيرة اتخذت موقفا واضحا، مناهضا لمصر، في تغطية أحداث تحطيم السور بين غزة وسيناء؛ حزب الله يحظى فيها بتغطية عاطفة. الجيش الامريكي والجيش الاسرائيلي هما بؤرتان اساسيتان لانتقاداتها. وهي تواصل بث أشرطة بن لادن كلما وصلت اليها. الجزيرة، حتى بعد اغلاق مكاتبها في مصر، تواصل تصدر تغطية المظاهرات، وهي تدير حوارا مع المتظاهرين وهي لا تزال المحطة التي بناءً عليها يقرر العالم كيف يتعامل مع الاحداث التي تهز مصر. هآرتس 31/1/2011