(إذا اتفقنا على أن تقليل الفقر هو الهدف العام لسياسة التنمية، وليس تقليل التفاوت، في حد ذاته، فيبقى ألا نقبل بسياسات توزيع تضع عبء مستويات المعيشة الأدنى والأطول مدى على عاتق الفقراء.) الخبير الاقتصادي مارتن رافاليون (1) الدواء في القطاعين العام والخاص (إذا كان الدواء في القطاع الخاص هو السلعة، فالدواء في القطاع العام هو الخدمة) فمنذ أن تم إنشاء الخدمة المدنية، وحتى في ظل حكم المستعمر بشقيه (الخديوي المصري) و(الانجليزي المصري) ومنذ العام 1821م، وإلى ان تم مشروع السودنة للخدمة المدنية ما بعد الاستقلال في يناير 1956م، تعارف الجميع على أن هناك وصفة علاجية مجانية يحصل عليها المريض السوداني، وفي ظل وجود دولة الرعاية الاجتماعية، وعبر دور مؤسساته الخدمية في القطاع العام. والذي تمثله المخازن المركزية للامدادات الطبية والتي أوكل لها منذ عقد الثلاثينات من القرن الماضي، توفير وتخزين وتوزيع الدواء ومعينات الأمن الدوائي ومستلزماته الأخرى للمواطن السوداني، في وقت الحاجة وفي أصقاع ولاياته المختلفة من نمولي جنوباً، وإلى حلفا شمالاً، ومن الجنينة غرباً إلى ولاية كسلا شرقاً، (طبعاً ما قبل انفصال الجنوب)!!. وكل ذلك في ظل وجود الصيدليات الخاصة (التي تتاجر في الدواء كسلعة) وتوفره لمن هو ذو مقدرة مالية لقيمته الشرائية. دون المساس بقيمة الدواء كخدمة تقدمها الدولة للمواطن بالمجان، ومن هنا يأتي الاحتجاج على مشروع الخصخصة للدواء. (وبالتحديد الوعاء الجامع لمخزونات الشعب السوداني من الامدادات الطبية). الامدادات والأمن الطبي ظلت الحالة الأمنية في مجال الامداد الطبي في القطاع العام على ذاك المنوال، إلى أن أتى العام 1992م، بصدور قرار يجعل من الدواء سلعة تباع وتشترى (حتى في القطاع العام)!! ولحظتها تم تحويل الامدادات الطبية من مخزن مركزي تابع إلى وزارة الصحة إلى هيئة عامة لها قانونها الخاص أسوة ببقية المؤسسات والهيئات في الدولة، ومن وقتها أطل شبح سياسات التحرير (ومهندسها عبد الرحيم حمدي) وتم التداول السيادي حول مشروع خصخصة الامدادات الطبية والذي طرح كفكرة بشكلها العلني في مطالع الألفينات من القرن الحالي. ٭ والسؤال المركزي لماذا الرفض لخصخصة الامدادات الطبية، طالما أن ذلك هو سياسة الدولة المتبعة تجاه المؤسسات والهيئات الحكومية؟! كما أتى في حيثيات القرار؟! الاجابة حتى لا يتحول الدواء كسلعة غالية الثمن ودُولة بين الاغنياء دون الفقراء في السودان. ٭ لحظة أن يتحول إلى (صنف) رائج الثمن لمضاربات السوق في العرض والطلب وتحصل الندرة ولابد أن يعلم الجميع أن المرض سلطان، لا يفرز ما بين غنى وفقير، ولا بين رئيس وخفير، وحاجة الدواء وقيمته تحددها لحظة توفره عند الحاجة إليه بل يمكن للوصفة الدوائية أن تفقد قيمتها عند الفقير الذي بلغ العافية من المرض وبنفس القدر يحتاجها الغنى العليل، ويعجز من توفرها رغم الثراء وتوفر المال وهنا تأتي المفارقة التي تلزم الجهة المسؤولة، من فشلها في الضبط للجودة وتحديد الحاجة، لبعض الأصناف من الأدوية ذات المواصفات الخاصة في الحفظ وسلامة الاستعمال. وبالاحتياط للأوبئة وتوفير الأمن الدوائي، الذي يعتبر من أكبر معينات البنيات التحتية ومُقومات التنمية، بمواردها المختلفة من بشرية ومادية، لذا يبقى الحذر من اعادة شكل الهيكلة الوظيفية للهيئة العامة للامدادات الطبية بحجة التصفية من أجل الاستخصاص، وذلك خوفاً من الفراغ الأمني في مجال العلاج المجاني (إلى حدٍ ما) بشكله المتكامل، والذي أحدثته الهيئة العامة للامدادات الطبية (طيلة المائة عام الفائتة من عمرها المديد) (1902-2011م) وبذلك أضحت الامدادات الطبية من الثوابت الأثرية للرعاية الصحية. (3) محمد أحمد والدواء مازال محمد أحمد المغلوب على أمره يدفع بالرغم من الفقر لفاتورة العلاج الغالية الثمن من حر ماله البسيط والذي أصبح عاجزاً عن مواجهة نار الأسعار وغولها بعد أن فقد كل ما كان عبارة عن خدمة في مجال العلاج وعلى رأسها الدواء، وهذا الفراغ العدمي، هو ما شجع (بعض الطفيليين من التجار) الى قيام العديد من شركات الأدوية الخاصة، والتي أصبحت عبارة عن عبء اضافي ينتقص من قدر (الرعاية الصحية الأولية) والتي عجزت عن مواجهة العلل التي استشرت في اعضاء الجسم الصحي في السودان، بعد أن تحولت الخدمات العلاجية في مؤسسات الدولة المعلومة إلى مشاريع استثمارية، بعد أن وجد بعض الدخلاء على الحقل الصحي غايتهم في المضاربة برأسمالهم في صحة البدن والعائد السريع للكسب المادي في أمن الانسان السوداني الدوائي. يبقى على اللجنة الفنية لاستخصاص الامدادات الطبية أن تخاف الله سبحانه وتعالى وتراعي حق عباده من العلاج كخدمة للشعب السوداني وعليهم تقع مسؤولية أسرهم. (4) رسالة إلى الرئيس البشير سيدي الرئيس عمر البشير، استميحك العذر بالمناشدة والتذكرة (فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وأفيدكم بقول الحق: ان لسميك الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب مقولة مشهورة عبارة عن روشتة لابراء الذمة تقول:- (ولينا على الناس، لنسد لهم جوعهم، ونوقر لهم حرفتهم، فإن عجزنا عن ذلك إعتزلناهم) ونحن نأمل فيكم القدوة الحسنة طالما أن الأسماء تورث الصفات. ٭ ومحمد أحمد (المواطن المسكين) هو المعني بهذا القول أولاً وأخيراً وهو الذي يرجوك، أن تسد له جوعه، وأن لا تخصخص له هيئته التي توفر له أدويته، وتبعده من شبح المرض وعدوته). ٭ فإذا حدث أن خصخصت الهيئة العامة للامدادات الطبية وأصبح الدواء عبارة عن سلعة في (يد التجار) من أصحاب الشركات في القطاع الخاص، فدونما شك فإن كارثة المرض كوباء تكون قد حلت ومن هنا تأتي المناشدة لسيادتكم. وتأكد يا سيادة الرئيس عمر البشير، إذا كان هناك من ايجابية للخصخصة وبما أنها من أحد مشاريع العولمة، فبالضرورة لا يمكن أن نجني لها ثمرة (إذا ما فقدت البلاد الهيئة العامة للامدادات الطبية) واذا حدث أن تم بيع الامدادات الطبية فيكون السودان قد فقد أمنه الدوائي، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال مقارنة الامدادات الطبية بهيئات أخرى قد تمت خصخصتها كالاتصالات مثلاً!! وحقل الامداد الدوائي، إذا تركته (الحكومة) ليصبح (مقبوضا) وملكا لأصحاب الشركات من (تجار الدواء)، تكون بذلك قد فتحت على نفسها نيران جهنم، ولأصبح السودان مرتعا ومعبرا لكل ما هو (مغشوش ومضروب) في مجال سوق مواسير الدواء.. هذه الخدمة الاستراتيجية، بل تكون الدولة قد ألقت بأهم أسلحتها في أيادي الأعداء، ويكفي ما حدث (لمصنع الشفا للأدوية) والذي تم توجيه ضربة بواسطة (التوم كروز) الامريكي. (يبقى عدم خصخصة الامدادات الطبية، احياء لسنة التكافل). ٭ وتبقى من الواجب أن تظل الامدادات الطبية كهيئة دوائية خدمية تكافلية وغير ربحية من أولويات الدولة، في الحفاظ على ما تبقى من دولة الرعاية الاجتماعية، وان تكن السياسة الرسمية للدولة (الخصخصة) في زمن العولمة فلا بد من الاستثناء، اكباراً لقيمة العافية، وخوفاً على الجسم الانساني إذا ما فقد الدواء. (فإن الرجوع إلى جادة الحق من الفضائل الاسلامية). ٭ ونجدد المناشدة يا سعادة الرئيس، بالطابع الشخصي من جنود أوفياء مجهولين، من حاملي مشعل الحفاظ على الأمن الدوائي في السودان ربان السفينة في الهيئة العامة للامدادات الطبية، ادارة وعاملين، هم حينما يناشدونك يرجون قرارك الشجاع بوقف (خصخصة الامدادات الطبية)، ولا يخطر على بالهم فقدان الوظيفة ومفاهيم الخوف من التشريد والخوف على معاشهم المستقبلي (فالله غالب) ولكن دواعي الترجي عندهم، أنهم قد ظلوا يرهنون وقتهم وجهدهم لأهم هيئة خدمية يمكن أن تقدم للانسان حاجته من الدواء، وهم واثقون فقد سبق لهم أن قالوها، وقد استجبت لمطالبهم بكل الشجاعة، واليوم هم يرددونها وهم أكثر ثقة فيكم للاستجابة (لأنك قبلاً قد بشرتهم بالقوي الأمين). هامش:- (ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، ولكن إذا خصخصنا الدواء مات الانسان.. الانسان السوداني.) ولا بديل للامدادات الطبية إلا الامدادات الطبية ونرجو أن نسمع عنها ما سمعناه منكم عن (السكة حديد) في عاصمة الحديد والنار عطبرة.