من المسلمات البديهية أن الخصائص التي تميز الأدب العربي، تبلور وتشكل من البيئة التي نشأ فيها، والفكر الذي قام عليه، والأصول التي استمد منها وجوده، والتحديات التي واجهته في طريقه الطويل الممتد عميقاً عبر التاريخ. ومن نافلة القول أن أدب أية مرتبط بلغتها، وهو كمصطلح فني (أدب لغة) كما يمكن للدلالة على الآداب العربية أن نقول (ادب اللغة العربية). وحيث أن أدب أية أمة هو نتاج عواطفها ومشاعرها وعقلها، وهو خلاصة تفاعلها النفسي وطابعها الروحي، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمة أرضاً وسماءً، وقيماً وتقاليد، وأحداث مجتمعاتها، لتحديد وجهة نظرها في الحياة المستمدة من وجدانها.. يتضح لنا تباين الآداب بين أمة وأخرى. ومتى ما أمعنت الأصالة في أي أدب نقلته الى مصاف الآداب العالمية لأنه حينئذٍ يتصف بصفة الأدب الانساني من اجل نزعته الانسانية الشاملة، ومع ذلك لا يخرجه هذا من أدب أمة خاصة، ليظل محتفظاً بخصوصيته غير قابل للتماهي في أي ادب آخر غيره. وحقيقة لم يتشكل الأدب العربي بصورته الفنية المكتملة، إلا بعد ظهور الإسلام، حيث جمع شتات القبائل في الجزيرة العربية وكون منها امة تامة موحدة - ودون أن ننفي وجود الديوان العربي الجاهلي، وكتب بعض الكهان والرهبان، التي لا ترقى الى أن نطلق عليها كلمة ادب بمعناه الفني وبمعالمه الاصيلة التي وضحت بعد نزول القرآن الكريم الذي كان ولا زال حجرالزاوية والركن الركين والعامل الاساسي الأعظم في بناء الادب وظهور فنونه وعلومه ومناهجه. واعطى لغته العربية البيان المعجز الذي فهمه العرب، لكنهم لم ولن يستطيعوا ان يأتوا بمثله ابدا. ومن هنا نخلص الى ان ادب اية امة يتشكل قوامه مجتمعاً من الآتي: /1 ضمير الأمة. /2 القيم الفكرية والروحية التي تعتنقها. /3 جوهر اللغة. وفي نطاق أدب اللغة العربية لم تكن الأمة العربية موحدة كأمة تجتمع تحت لواء واحد قبل الإسلام. وإنما كانت قبائل بدوية متفرقة تصارع بعضها البعض في حروب مستمرة ونزاعات دائمة، ولكنها كانت تحتفظ بقيمها وتقاليدها وطابعها الذي اكتسبته بوجودها المنعزل في الجزيرة العربية. وهذا الانعزال أبعدها عن الانغماس او الذوبان في اي من الحضارات التي كانت سائدة - حضارتي الفرس والروم- وهذا الانعزال أيضاً مكن تلك القبائل المتنافرة من ان تتلقى الرسالة الاسلامية التي مكنت لها تثبيت وتنمية قيمها الباقية من دين الحنيفية الأولى دين ابراهيم عليه السلام رغم أنه قد شابها كثير من العادات الفاسدة، كالثأر ووأد البنات والشرك وعبادة الأصنام والكبر والتفاخر، فلما جاء الإسلام جرد هذه النفس من قيودها الفاسدة وعاداتها القبيحة ثم حررها وصاغها صياغة جديدة مفهومها التوحيد الاول بجانب إبقاء قدرتها على المجالدة وحميتها الايجابية. كل تلك العوامل أدت الى خاصية وذاتية أدب اللغة العربية التي تنفرد بها على ما سواها من الآداب الاخرى. ومن استنتاجنا هذا يمكننا أن نذهب إلى القول بأنه لا يمكن دراسة أدب اللغة العربية الا من خلال مفاهيم وضعت على ضوء موافقتها لخاصيته وذاتيته المتفردة. وعليه فإن مذاهب الأدب التي يحاول بعض النقاد وذوو الثقافات الغربية أن يحاكموا الادب العربي عليها، هي في حقيقتها مذاهب غربية وضعت على مراحل مسار الادب الغربي على مدى عصوره المختلفة - المذهب الكلاسيكي والمذهب الرومانتيكي - وهذه المذاهب تشير بوضوح إلى تاريخ العصور التي مر بها الادب الغربي عموما - وعليه فلا يستقيم أن نضع على رؤوسنا القبعة الغربية بدلا من العمامة العربية - فإننا لا يمكن من ناحية اصول الادب نفسه، شعرا ونثرا وقصصا وتراجم، ان نخضعه لقواعد نقدية تختلف شكلا ومضمونا عن خصائص الادب العربي، لأنها ببساطة مستمدة من آداب تختلف عن الادب العربي مزاجا وطبعا. واختلاف المنابع والمصادر بين الآداب العربية والغربية يجعل من الصعوبة بمكان أن يخضع لمقاييس وقواعد وقوانين واحدة. لأن خصائص الآداب الغربية مستمدة مصادرها من الأدب الهليني والفلسفة اليونانية والحضارة الرومانية، متخذة من نظريات أرسطو في الادب والنقد والشعر وغيره اساسا لها، ولا شك أن هذا الأساس التاريخي الضخم للآداب الاوروبية والقائم على التراث الإغريقي والروماني المسيحي، يختلف اختلافا جوهريا عن الاساس والمرتكزات القائم عليها الادب العربي الذي يستمد خصائصه ومصادره من القرآن الكريم والاسلام واندمجت وانصهرت معها. هذه نظرة سريعة الى أهم اوجه الخلاف بين الأدبين العربي والاوربي، وهو اختلاف عميق ومؤثر متصل بالنفس الإنسانية باعثة الادب ومنشأه. وعلى ضوء هذا أرى انه من الخطل والخطرالعظيم العميق الأثر خضوع الأدب العربي لقوانين وقواعد ونظم ونظريات قامت أساساً في ضوء الأدب الاوربي.. والله أعلم.