٭ كثرت الدمدمات وامواج الدامات التي اصبحت بوهية على ورق.. واولئك الذين جمعتهم الغربة في مجالس الحب والالم والانس والسمر بصداقات قديمة ومجالسات حميمة، عاشوا صداقات جديدة جمعتهم على دكة من الخشب. يفرقون اوراق اللعب فيما بينهم، ويهمسون مهمومين بقضايا وطنهم وحكاياته الجميلة. باعثهم في ذلك الشوق والحنين اليه، والى اسرهم نضار تاريخ تليد رفيد. ٭ فالعبارات وما يستعار فيها للعب الورق وما يثار حوله من كلام اثناءه تعج بفصحى لم يعد يتذكرها المتحدثون، ظنا من بعضهم او جميعهم انها قد بُعثت من لا شيء واودعتها ناجة من الريح ألسنتهم. فصارت حديثا يلهج به المتحدثون.. ومن اولئك صهيب وفادي وهم على هذه المنضدة.. يتبارون في اوقات راحتهم وينتظرون بالشوق ذلك الوقت فيتآسون خلاله ويترقبون جماله. ٭ الدَّكة مثل دكَّة الخشب هي اصل المنضدة الخشبية التي صرف منها كلمة، دكان، ويرى الذين وزعوا الشمارات والاوراق بينهم ذلك ويدعي احدهم، ويقسم بأنه سيهزم الآخرين شر هزيمة. علق على مرسولهم الذي تأخر قائلا: لماذا تأخر ذلك اللكة؟ اذهب يا سعود والحق به ارجوك، لعله لا يقع في مأزق!. دك يدك دكا، ترادف لعب الورق ومنها دك الورق. ليعاد شكه وتوزيعه، والشك فيه شك الاوراق والخلط. ولدى العرب تلبيس الشيء بعضه مع بعض، اما اللكة التي نستخدمها بمعنى الكسول فصفتها قريبة من التطابق وتوصف بها الناقة كثيرة اللحم وثقيلة الحركة، والمأزق الممر الضيق قال أبو الطيب المتنبي وان البخت لا يعرقن الا وقد امضى العزاقرة اللكاكا ٭ ومنها ان البخت نوق «نياق» خراسانية والعزافرة هي النوق السريعة الخفيفة الحركة، واللكاك، ذكرت في لكة اما قول بنات «الشيريا والهارت» عندما يتبادلن العلكة، ويقلن لاكت اللبانة، ولاكت المسألة ففيها «لاكت» صحيحة بمعنى مضغت. واللبانة، بضم اللام هي الحاجة، وبفتح اللام هي الصدر.. ولها ذكر كثير في ميادين الشعر. وللصدر اسماء كثيرة منها «الجؤجؤ» و«الكلكل». واقترن ذكر الآنسات في شعر الشعراء بالانس، كما اقترنت اسماؤهن باسماء الخمر وهي المدام، والمدامة. ٭ قال عنترة بن شداد العبسي: ولقد شربت من المدامة ٭ ركد الهواجر بالمشوف المعلم ٭ والهواجر شدة اوقات الحر، والمشوف يقصد به الدينار. وقال: ولا ديارهم بالاهل آنسة يأوي الغراب بها والذئب والنمر ٭ ولديه بالمعلقة المعروفة التي مطلعها هل غادر الشعراء : يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحا دار عبلة واسلمي دار لآنسة غضيض طرفها طوع العناق لذيذة المتبسم ٭ وعبلة اسم نسائي يشتهر به عموم العرب ويعني الغليظة وهي صفة محمودة ويوافقها عبل تذكرا، ولها كثير ذكر في وصف النوق والفرسان «عبل الشوى» اما في اللبانة بمعنى الحاجة فقال عمرو بن كلثوم: تجور بذي اللبانة عن هواه اذا ما ذاقها حتى يلينا ترى اللحن الشحيح اذا امرّت عليه لما له فيها مهينا ٭ وذلك الوصف هو للخمر التي تشغل ذي الحاجة عن حاجته، وبالنسبة للبخيل فلن يكون بخيلا على المدامة اذا امرت به حسب قوله. ٭ اولئك الذين يشتاقون لأهلهم في ديار غريبة يعرفون ان «دامة» الورق التي بالكوتشينة لها شبه وصفة وثيقة بمدام التي تعني الخمر وما يسميه العرب للنساء مثل ليلى وسلافة وفي لغات العجم تشابه كبير، فمدام تطلق للنساء في فرنسا وكذلك هو اسم علم في اوربا تشتهر به عالمة الفيزياء مدام كوري وتنادى عموم النساء بمدام في معظم العالم. اما «البار» لدى العرب فيسمى، الحص والحانوت. ٭ السيد «صهيب» كثير الهيجان ولا يمنح الآخرين فرصة للحديث ويتهم «زاهر» بمحاولة اتلاف اللعب عندما لا يتسلم ورقا ثمينا ينتصر به. ويقول قبل اعداد الشية وقبل تقطيع البصل «شوف شوف.. يدك يدك.. سحبت الآس» وصهيب اسهم يعني تصغيرا للاصهب و هو الحصان الاحمر وزاهر تعني يانع والازهران هما الشمس والقمر. والآس لدى العرب هو الطبيب، الذي يواسي المريض، وهو شجر. وهذه الزمرة من الغائبين لا يختلفون الا قليلا. ولن تقضي صداقتهم حتى انهم يتبادلون قمصانهم، وطعامهم ولا احد منهم يبخل على اخيه بمال واتصال. يسكن صديقهم سعود مقابل روضة الاطفال ولا ينقطع عن شوف اخوته اولئك او طلب العون عند اللبانة منهم. ٭ قال امرؤ القيس تراءت لنا يوما بسفح عنيزة وقد حان منها رحلة وقلوص بأسود ملتف الغدائر وارد وذي اشر تشوفه وتشوص ٭ وفيها القلوس بمعنى الرجوع والفعل قلص يعني رجع.. والشوف بمعناه الذي نذكره، والغدائر ضفائر الشعر. والاشر ذلك الذي يفسر ان الانسان مثل الخرز. ٭ قبل ان يحضر العشاء يأذن بعضهم لغيره بدوره في اللعب ويعلنون من حرق وهي صفة تطلق على اشتداد اللوعة والحزن والشوق.. وفيها حريق القلب.. ولا يبالي عنترة ويقول انا احترق. ٭ الاسم سعود جمع سعد وهو الخير واليمن، ويؤنث على سعْدة وجمعها «سُعاد» كقول الشاعر «بانت سعاد» اما مسعود على قول طرفة بن العبد عند مدح سعد بن مالك رأيت سعودا من شعود كثيرة فلم ترعيني مثل سعد بن مالك ٭ ومن الطرائف ما اتفق عليه «المعرّج» عاطف مع والد عبلة في التعريج حتى هُزم مثل ما قال عنترة خليلي ما انساكما بل فداكما ابي وابوها.. اين اين المعرّج؟ وهو يقصد اين المخرج ولكن صارت كأنها المعرّج بكسر الراء. ولكن التعريج هو الصعود.. قال عنترة: وأورق فيها الآسر والضال والغضا ونبق ونسرين وورد وعوسج وفيها الاسم نسرين وهو الورد الابيض العطري آسر الرائحة ومفردها نسرينة، وفيها الآس ضرب من الشجر ويبكي احدهم بحرقة وهو يقلب صورا لافراد اسرته بعثتها والدته، وتذكره بعدم طول الغياب ومرض والده الذي يذكره الجيران دائما بقول عنترة ويطمئنه زملاؤه بأنه سيكون بخير وإني لاحمي الجار من كل ذلة وافرح بالضيف المقيم وابهج واحمي حمى قومي على طول مدتي الى ان يروني في اللفائف ادرج ٭ تأخر الطعام قبل ان يصل، الاوضة، يسكن بها عدد كبير، كل يرى ويستعجل حاجة اخيه والاوضة، المرسم، والمبكى وهي المنزل والمسرح ومركزهم التعليمي والاقتصادي. وجميعهم يعودونها دائما واصدقاؤهم، ومن ينافسهم في المرح. وأوضة على ما اذكر اسما من الفعل «آض» ومعناها «عاد».. خاض خوضة، وراض روضة. له شربتان بالنهار واربع من الليل حتى آض سُخداً مورّما خرجت صباحا اتذكر تلك الرحلة القاسية.. اتذكر دائما تلك الحكمة الرائعة لطرفة بن العبد: لعمرك ما الايام الا معارة ٭ فما اسطعت من معروفها فتزود واخذت اصيح على المارة لبيع ما دي مزينا للقول والحديث يطول.