٭ قلنا ان الثورة في تونس ومصر هى ثورة شعبية ضد حكم الجيش في المقام الاول وهى بذلك تصحيح لخطأ جمال عبد الناصر وانتصار لخط محمد نجيب، وقلنا ان ذات الثورة على مستوى السياسة هى انتصار لخط عبد الناصر على خط السادات الامريكي الاسرائيلي، فهى انتصار للشعب وخطه الناصري ضد جمال عبد الناصر نفسه ولكن ليست خروجاً عن مسار العروبة والقومية لذلك فان اخذ جزء من الحقيقة قد يؤدي الى تفسير خاطيء للعملية الثورية العربية الراهنة. فالحراك في ليبيا مثلاً ليس ضد الخط العروبي او ضد القذافي في منهجه العروبي (وهو امين القومية العربية) ولكنه ضد الجيش ومع الشعب وهو انتصار لخط القذافي الناصري ولكنه ضد القذافي نفسه لآن القذافي وناصر قد سلكا طريقاً غير شعبية وفيها كثير من الوصاية والابوية والقهر للشعب، وقد ساعد وجود الثورة التونسية والمصرية كجارتين لليبيا في رفع درجة حرارة الثورة في ليبيا وهذا الحراك يمكن ان يتم احتواؤه باصلاح جذري في نظام الحكم وتسليم السلطة حقيقة للشعب أو ان الشعب سيستلم السلطة بالشرعية الثورية، وفي جانب آخر نجد ان كلينتون تحاول ان توجه الثوار والمنطقة لأنها تعتقد ان هنالك (فورة) وليست ثورة ولا أهداف لها غير أنها تململ من الحكام ولذلك فقد أخطأت امريكا في اثنين: - أولاً: حين ظنت ان التململ الشعبي يعني أن الشعب الايراني على استعداد لأن يجعل النظام الايراني عدواً ويعود طائعاً الى الحضن الامريكي وهذه سذاجة سياسية قل نظيرها، فاذا انتفضت شعوب اليوم فليس معنى هذا أن الشعوب العربية والاسلامية جميعها عليها أن تقلب الطاولة على الحكام بغض النظر عن مواقفهم، ونسيت ان هنالك قضايا اساسية تحرك الشعوب، فالمنتظر ان الثورة المصرية ستخلق تقارباً بين ايران ومصر مهما كانت طبيعة الحكومة القادمة بعد الثورة وسوف تخلق تضاداً مع اسرائيل مهما كانت صيغة الحكومة القادمة، فلذلك فان الشعوب التي قد انتفضت الآن فانما هى تصطف مع الشعوب التي انتفضت بالامس ولا يمكن ان يتم السيناريو الامريكي غير المحكم في المنطقة، فالثورة ضد سياسة أمريكا وتدخلها بصورة سلبية ووقوفها مع اسرائيل، وهذا حجر الزاوية ورأس الامر ومهما حاولت امريكا من سرقة واختزال للثورة المصرية كما يحاول الاتحاد الاوروبي في تونس فان الثورة لن تتوقف الا بتحقيق مآلاتها، والآن تجري محاولة امريكية لتأليب الجيش ضد الثورة في مصر وهنالك ضبط للنفس من قِبل الثوار والحكماء في مصر في لعبة الارادات التي تجري الآن بين حرس النظام القديم داخل الجيش وخارجه في عناصر ما تبقى من النظام السياسي السابق وبين طلائع الشباب وحكماء مصر من ناحية أخرى. وتسعى امريكا لتسليط الضوء على ما يجري في ايران وسوريا والحقيقة ان النظامين قد اقترفا ذنب تشويه الديمقراطية بدرجات متفاوتة، ولكن الخط الصحيح لسياسات النظامين وتصدرهما كدولتين تقودان الوعي العربي والاسلامي في الممانعة والمصادمة ضد سياسات قهر المنطقة، تجعل عمل الاصلاحات جدير بالاحترام في البلدين وهذا لا يعني ان الاطاحة بالنظام في سوريا غير ممكنة، فالشعوب اصبحت لا تقبل التسلط حتى باسم (الحق والعروبة والاسلام) ولكن هذا لا يجعل النظامين مثل النظام اليمني الرجعي، والحراك البحريني هو رمز لحراك وثورة الحريات وليس حراك الجوعى بل هو حراك الحقوق الذي تقوده الطبقة الوسطى في البلاد العربية لذلك فان التوقع بالحراك في منطقة الخليج أقوى من توقع الحراك في سوريا أو ايران، ذلك وبالرغم من أن النظام التركي الآن يتبنى هذه التحركات الشعبية، ولكن السياسة الامريكية قد تتمنى ان يثور الاتراك ضد الثورة الاسلامية في تركيا ، ولكن هذا هو الجنون السياسي لأن امريكا لا ترى ان سياساتها هى مصدر الصراع الشعبي ضد اذنابها، فكل ذنب امريكي عليه ان يلوح الآن الى اسفل قلقاً على نفسه. أما قول الرئيس السوداني انه لا يخاف من المصير التونسي او المصري لأنه قد بسط الحريات في السودان وأن النظام قد مد يده الى المعارضة كما فعل علي عبد الله صالح فان ذلك يحتاج لاقناع الذات أولاً قبل اقناع الآخرين. والذين يقولون ان الشباب السوداني غير قادر على التواصل التقني ولا يمتلك الجُرأة لفعل الثورة فعليهم ان يعلموا أن ثوار اكتوبر والانتفاضة ما زالوا أحياء وهم ينقلون تجاربهم لابنائهم، فأبناء الثورات قبل ان يعرف العرب الثورة لا يمكن وصفهم بالنمل أو الحشرات، والحقيقة ان الثورات لا تستنسخ ولكن تستلهم ونحن لا ينقصنا القلب الذي يستلهم، والسؤال هو هل ما يفعله النظام من تقرب مع الصادق والميرغني وابو عيسى يمكن ان يطيل عُمره، أقول وهل ما يفعله علي عبد الله مع المعارضة المستأنسة قد نفعه، الحقيقة ان هنالك دائماً (Blind spot) نقطة عمياء في نظر الانظمة التي تقهر الشعوب وهى أن الحُكام لا ينظرون الى البقعة الشعبية بل دائماً ينظرون الى ماهو حولها وهذا هو سبب القرار المتأخر أو الخاطيء، فاذا اراد النظام السوداني الفكاك من ثورة الشباب فعليه أن يتصالح مع الشعب ويطلق حريته ويتنازل عن سلطته القاهرة طوعاً الى الشباب السوداني لا شباب المؤتمر الوطني، والا فانه سيفعل ذلك بعد فوات الاوان، نحن لا نضبط الثورة على عقارب الساعة كما قال الشريف حسين الهندي ولكننا نرى الفجر قريباً ويرونه بعيداً وجزاء الله شعبنا خيراً. * بروفيسور مشارك- جامعة الزعيم الازهري